تثار أحيانًا مخاوف من أن يؤدي تعويم العملة إلى قيام القطاع الخاص باستغلال الوضع ورفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، وكأن هذا السلوك نتيجة حتمية للتعويم. لكن عند تحليل المسألة من منظور اقتصادي بحت، يتضح أن هذا التخوف يفتقر إلى المنطق العملي في آلية عمل السوق.
أولاً: من يملك ماذا؟ القطاع الخاص يمتلك دينارات، وليس دولارات، وحين يحتاج إلى استيراد السلع أو تغطية التزاماته الخارجية، فإنه يسعى إلى شراء الدولار باستخدام الدينار، في المقابل، يمتلك البنك المركزي (نيابة عن الحكومة) دولارات، ويقوم ببيعها للحصول على دينارات لتغطية الإنفاق العام أو 93% من الإنفاق العام.
ثانياً: معادلة السوق إذا نظرنا إلى العلاقة التجارية بين الطرفين، نجد أن السلعة التي يعرضها القطاع الخاص هي الدينار الليبي، والسلعة التي يطلبها القطاع الخاص الليبي هي الدولار، بينما الحكومة (من خلال البنك المركزي) تبيع الدولار وتشتري الدينار لتغطية 93%من نفقات الحكومة.
وفق هذا المنطق، لا مصلحة للقطاع الخاص في أن يبخس قيمة ما يملكه (الدينار) أو أن يرفع قيمة ما يشتريه (الدولار)، لأن ذلك سيزيد كلفته ويقلص قدرته على الاستيراد والتشغيل.
ثالثاً: الفرق بين السوقين في السوق الرسمي، تسيطر الحكومة عبر البنك المركزي على عملية بيع الدولار وتنظيمها بنسبة 93% مقابل شراء 65% من الدينارات المتداولة. أما في السوق الموازي (الثانوي)، فهناك آلاف المتعاملين من القطاع الخاص، وتخضع الأسعار فيه لآليات العرض والطلب، لا لقرارات أحادية.
الخلاصة من الخطأ افتراض أن القطاع الخاص سيستغل التعويم لرفع الأسعار، لأن ذلك يتناقض مع مصلحته الاقتصادية المباشرة. السوق، في نهاية المطاف، يقوم على التوازن بين رغبة البائع في الحصول على أفضل قيمة لسلعته وقدرة المشتري على الدفع، وليس على نوايا الاستغلال.
السوق هو السوق لا يوجد سوق رسمي أو سوق موازي، السوق تخلقه الحاجة، السوق هو المكان أو البيئة التي يجد فيها المشتري حاجاته بأسعار جيدة ومواصفات يرغبها ويجد فيها البائع ضالته من المشترين وفرصة حقيقية للتنافس.
الدولة يجب أن تبتعد عن التجارة بشكل نهائي ويكون دورها فقط التشريع والتنظيم والمراقبة، تمنع الاحتكار والإغراق والغش والتزوير.
الدولة الرشيدة لا ترشي الشعب بالدعم، الدولة الرشيدة تحارب الفقر وتهيئ بيئة الأعمال لتوسيع الطبقة الوسطى، الدولة الرشيدة تبتعد عن المكياج في الإصلاح الاقتصادي والبنية التحتية، وتقوم بالتدخل الجراحي والكسر والجبر، الدولة الرشيدة توفر الامن بكل مستوياته وكافة مفاهيمه.
هذا يحتاج نفسا طويلا، وصبرا لا يملكه المرجفون من الذين قادتهم الصدف والفراغ للقيادة ومراكز القرار، ولا يملكه من تعودوا على الوقود والطاقة والسلع المدعومة ومرتبات دون مقابل ومنح الزواج وبطاقة إيفاء.
قال المهتم بالشأن الاقتصادي “رافع الشاوش” إنه على مصرف ليبيا المركزي فى حال رغب في معالجة نقص السيولة بالعملة المحلية، رفع سقف مخصصات الأغراض الشخصية إلى 5000 دولار، مشيرا إلى أن هذه الخطوة سوف تتيح لأصحاب الحسابات الجارية استخدام جزء من مستحقات رواتبهم لتغطية هذه المخصصات الشهرية وتخفف الضغط على العملة المحلية.
وأضاف “الشاوش” قائلا: في نفس الإطار، على مصرف ليبيا المركزي إتاحة الفرصة وتمكين أصحاب الحسابات الجارية من فتح وإدارة حسابات بالعملات الأجنبية “العملة الصعبة”، مع منحهم صلاحية السحب النقدي من هذه الحسابات أو تحرير صكوك بالعملة الصعبة، وتوفير خدمة تحويلها محليًّا بين الحسابات المختلفة داخل الدولة.
هل الاستمرار في طباعة العملة يحل مشكلة السيولة؟ لا.. الاستمرار في طباعة العملة لا يحل أزمة السيولة بل قد يزيدها تعقيدًا؛ إذا لم يكن مصحوبًا بإصلاحات هيكلية وسياسات منضبطة.
أولًا مفهوم السيولة في السياق الليبي أزمة السيولة في ليبيا ليست ناتجة عن نقص كمية النقد المطبوعة بحد ذاتها، بل عن اختلال في توزيعها ووظائفها داخل الجهاز المصرفي. العملة موجودة فعليًا في السوق، لكنها محبوسة خارج النظام المصرفي بسبب فقدان الثقة بين المواطنين والمصارف ما يجعلها خارج التداول الفعّال.
ثانيًا مخاطر طباعة العملة دون غطاء حقيقي طباعة كميات إضافية من النقد دون زيادة مقابلة في الاحتياطيات الأجنبية أو الإنتاج الحقيقي تؤدي إلى: 1-تضخم نقدي (زيادة كمية النقود دون زيادة السلع والخدمات). 2-تآكل القوة الشرائية للدينار، فيفقد المواطنون الثقة أكثر. 3-تدهور سعر الصرف في السوق الموازية بسبب ضعف الغطاء من النقد الأجنبي. 4-تعميق الفجوة بين الكتلة النقدية المتداولة فعليًا والسيولة المتاحة في المصارف. بمعنى آخر المصرف المركزي قد “يحقن” السيولة شكلًا، لكنه يخلق أزمة ثقة أكبر تؤدي لاحقًا إلى سحب هذه الكتلة الجديدة من التداول أيضًا.
ثالثًا البدائل العلمية لمعالجة أزمة السيولة 1/إعادة بناء الثقة في النظام المصرفي من خلال شفافية البيانات، وضمان حرية السحب النقدي تدريجيًا. 2/تحفيز الإيداع بتقديم حوافز للفئات التي تعيد أموالها إلى المصارف (مثل فوائد مجزية أو خدمات تفضيلية). 3/تحسين إدارة النقد المتداول بتوزيع العملة وفق احتياجات المناطق والمصارف، لا عبر قرارات مركزية جامدة. 4/تنشيط وسائل الدفع الإلكتروني لتخفيف الضغط على النقد الورقي دون إقصاء الفئات غير المتمكنة رقمياً. 5/توحيد السياسة المالية والنقدية بين المصرف المركزي ووزارة المالية لتفادي ضخ نقدي غير منسق مع الإيرادات الفعلية.
قال أستاذ الاقتصاد “علي الشريف” إن النمو الحقيقي للاقتصاد يُقاس بقدرته على تحقيق التقدم في مختلف القطاعات الإنتاجية، بعيداً عن الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، مشيرا إلى أنه عندما تتوسع الأنشطة الصناعية، ويتطور قطاع الخدمات، وتزدهر الزراعة والتقنيات الحديثة، يصبح الاقتصاد أكثر تنوعاً واستقراراً.
وأضاف بأن الاعتماد المفرط على العوائد النفطية، يُظهر نمواً مؤقتاً قد يخفي هشاشة البنية الاقتصادية وضعف قدرتها على مواجهة التقلبات، لذلك يُعد التنويع الاقتصادي حجر الأساس لبناء اقتصاد قوي ومستدام، يعكس فعلاً إمكانات الدولة الحقيقية ويضمن استمرارية الازدهار على المدى الطويل.
أوضح محافظ مصرف ليبيا المركزي “ناجي عيسى” في بيان اليوم الثلاثاء، بأنه لم تُوجه إليه ولا لمجلس إدارة المصرف المركزي الدعوة لحضور جلسة مجلس النواب التي خُصصت لمناقشة بيان المصرف المركزي الصادر في 14 أكتوبر 2025.
وأكد المحافظ ترحيب مصرف ليبيا المركزي بملاحظات وتساؤلات واستفسارات اعضاء مجلس النواب وانتقاداتهم، مشددا على أن حق الرد مكفول للمصرف المركزي ومحافظه في تقديم الردود والتوضيحات اللازمة بما يعزز مبدأ الشفافية.
كما أكد استعداده التام هو ونائبه وأعضاء مجلس الإدارة، لتلبية أي دعوة رسمية من رئيس مجلس النواب لحضور جلسة علنية لعرض تقارير الأداء والإنجازات التي تحققت، والرد على بعض المغالطات وتوضيح الحقائق والظروف والتحديات التي واجهها ويُواجهها المصرف، وإحاطة أعضاء المجلس والشعب الليبي بكافة التفاصيل بكل شفافية وموضوعية.
في خطوة لافتة ومثيرة للجدل، كشف مصرف ليبيا المركزي في بيانه الأخير عن وجود زيادة غير مبررة في كمية الأوراق النقدية من فئة العشرين ديناراً تجاوزت ستة مليارات دينار، وهي زيادة لم تمر عبر القنوات الرسمية المعتمدة في إدارة الإصدار. ورغم أن البيان جاء في إطار الشفافية وتوضيح الإجراءات المتخذة، إلا أن الأرقام المعلنة تفتح الباب أمام جملة من التساؤلات الجوهرية حول سلامة الرقابة النقدية، وحجم تأثير هذه الواقعة على الاستقرار المالي والسيولة المحلية.
أولاً: خلفية الواقعة
وفقاً للبيان، فإن الكميات المعتمدة للطباعة من فئة العشرين ديناراً كانت في حدود 13.4 مليار دينار، بينما أظهرت السجلات الفعلية وجود توريدات بلغت نحو 19.97 مليار دينار، أي بفارق يزيد عن 6.5 مليارات دينار لم تمر عبر الإجراءات القانونية أو الإشراف المباشر للمصرف المركزي. وهذه الأرقام، إن صحت، تمثل خللاً حقيقياً في منظومة الإصدار النقدي التي تُعد من صميم اختصاص السلطة النقدية وحدها دون سواها.
ثانياً: الانعكاسات النقدية
من الناحية الاقتصادية، فإن أي زيادة في حجم الكتلة النقدية دون وجود مقابل إنتاجي حقيقي تؤدي إلى اتساع الفجوة بين العرض النقدي والسلعي، وهو ما ينعكس مباشرة في صورة تضخم وارتفاع في الأسعار، وتراجع في القوة الشرائية للدينار الليبي. كما أن زيادة المعروض النقدي غير المنضبط تُربك السياسة النقدية وتجعل أدوات التعقيم أو امتصاص السيولة أقل فاعلية، خاصة في اقتصاد يعتمد على النقد الورقي بدرجة عالية وضعف التداول المصرفي.
إلى جانب ذلك، فإن مثل هذه الزيادات العشوائية في العملة تخلق تشوهات في بيانات النقد المتداول، مما يصعّب على المصرف المركزي تحديد الكتلة الفعلية في السوق، وبالتالي يُضعف من فعالية أدواته في إدارة السيولة أو التدخل في سعر الصرف.
ثالثاً: البعد الاقتصادي والاجتماعي
هذه الواقعة لا يمكن النظر إليها فقط من زاوية فنية، بل تمتد آثارها إلى ثقة الجمهور في العملة الوطنية. فحين يسمع المواطن أن مليارات من العملة طُبعت أو تم تداولها خارج السجلات الرسمية، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو فقدان الثقة في قيمة ما يحمله من نقود، ما يدفعه إلى تفضيل الاحتفاظ بالعملة الأجنبية أو الذهب. وهذا السلوك، وإن كان دفاعياً من وجهة نظر الأفراد، إلا أنه يفاقم من ضغط الطلب على النقد الأجنبي، ويؤدي إلى مزيد من الاضطراب في سعر الصرف بالسوق الموازية، كما أن المصارف التجارية قد تجد نفسها أمام وضع مرتبك؛ فوجود عملة غير مطابقة أو مجهولة المصدر في التداول يخلق مخاطر تشغيلية ومحاسبية، ويزيد من صعوبة ضبط ميزانياتها النقدية اليومية.
رابعاً: البعد الرقابي والمؤسسي
من المؤكد أن ما حدث يُعدّ إخفاقاً رقابياً خطيراً يستوجب مراجعة شاملة لكافة حلقات إدارة النقد، بدءاً من عملية الطباعة وحتى التوزيع والسحب والإتلاف، فالإصدار النقدي يجب أن يخضع لنظام محكم من التوثيق والمطابقة بين المصرف المركزي والجهات المعنية، مع وجود رقابة خارجية فاعلة من الأجهزة المالية والرقابية في الدولة.
كما تفرض هذه الواقعة ضرورة الإسراع في تطوير منظومة الدفع الإلكتروني لتقليل الاعتماد المفرط على النقد الورقي، وهو الاتجاه الذي أصبح اليوم ركيزة أساسية في استقرار أي اقتصاد معاصر.
خامساً: البعد السياسي والاقتصادي الأوسع
لا يمكن إغفال أن مثل هذه التطورات تحدث في بيئة سياسية واقتصادية منقسمة، مما يزيد من صعوبة ضبط السياسات المالية والنقدية. ومن ثمّ، فإن الحفاظ على وحدة المصرف المركزي وشفافية تعاملاته مع الجمهور والمؤسسات الدولية بات ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل. كما أن مواجهة آثار هذه الواقعة تتطلب إرادة سياسية حقيقية لإعادة الانضباط المالي والنقدي، وتغليب المصلحة الاقتصادية على أي حسابات آنية أو مناطقية.
إن التوسع غير المدروس في القاعدة النقدية يضع النظام المصرفي تحت وطأة ضغوط متزايدة على السيولة النقدية، وهذا الافتراض يظل صحيحًا في حال توافرت بدائل استثمارية للمصارف التجارية تتسم بمخاطر أقل لعائِدٍ مقبول، لكن عند التمعن في واقع المحافظ الائتمانية، نجد أن حجم القروض المتعثرة قد تجاوز 50% من إجمالي محفظة الائتمان مما يُعكس بيئة مخاطرة عالية وفساد كبير بالمصارف التجارية.
وللأسف، يُعزى جانب كبير من هذا التضخم في القاعدة النقدية إلى تمويل العجز في الموازنة العامة ، مما أدى إلى تضخم الدين العام، كما أسهمت ممارسات أخرى في تفاقم المشكلة، أبرزها عملية خلق النقود من خلال ما يُعرف بنظام التغطية الوهمية، حيث يتم إصدار اعتمادات بمبالغ طائلة من خلال تدوير صكوك غير مغطاه فعليا.
أضف إلى ذلك، فإن الحجم الهائل للطلب الاستهلاكي، الذي يُقدر بمتوسط 2000 دينار شهريًا لكل موظف من إجمالي قوة عاملة تبلغ مليوني موظف، يعني تدفقًا نقديًا يصل إلى 4 مليارات دينار شهريًا. وبتراكم هذا المبلغ على مدار العام، تصل الحاجة إلى سيولة نقدية (كاش) لا تقل عن 50 مليار دينار سنويًا.
ويرجع سبب هذه الظاهرة إلى العجز الشديد في البنية التحتية للخدمات الإلكترونية والدفع الإلكتروني عن مجاراة حجم النشاط الاقتصادي، وكل هذه التحديات تنبع من ضعف الغطاء القيمي للعملة المحلية، حيث إن 40 مليار دينار لا تعادل سوى حوالي 6 مليارات دولار أمريكي فقط، في حين كانت نفس الـ 6 مليارات دولار تُعادل قرابة 7 مليارات دينار في السابق، وهي قيمة لا تتطلب كتلة نقدية ورقية بهذا الحجم الضخم.
وللأمانة، فإنه ما لم يتم المعالجة الجذرية من خلال ثلاثة محاور رئيسية ضمن خطة استراتيجية مدروسة، فلن يتم حل إشكالية السيولة. وتتمثل هذه المحاور في:
تعزيز حوكمة المصارف : حيث يتعين على البنك المركزي التخلي عن سياسة التدخل المباشر في شؤون المصارف التجارية، والعمل بدلاً من ذلك على تمكين مجالس إداراتها لتصبح شريكًا فاعلاً في عملية اتخاذ القرار، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إصدار لائحة تنظيمية شاملة من البنك المركزي الليبي، تُغطي كافة الجوانب، بما في ذلك برامج التدريب والتطوير، وآليات المشاركة في القرارات الاستراتيجية، وتشكيل اللجان المتخصصة.
تحديد المهام والصلاحيات يتوجب على السيد ناجي العامل محافظ البنك المركزي، التخلي عن سياسة “الصديق الكبير” وتجاوز الدور المنوط به، والالتزام بالحدود الوظيفية الدقيقة والمحددة سلفًا لمحافظ البنك المركزي، والامتناع عن تجاوزها وكذلك ان يمنح دور اوسع لمجلس ادارة المركزي ولا يسلب دورهم ويشكل اللجان الضرورية.
خفض حجم القاعدة النقدية: من خلال حزمة من الإجراءات، مثل منح المصارف صلاحيات أوسع في مجالي الائتمان وبيع العملة الصعبة نقدًا، والتعامل بمنتجات التمويل الإسلامي كالمرابحة، ويجب أن يرافق هذا التوسع تعزيز كفاءة و إدارة الرقابة على المصارف وتطوير دليل حوكمة ورقابة مصرفية رصين لضمان عدم إساءة استخدام هذه الصلاحيات الموسعة.
تطوير نظام المدفوعات الوطني: والتركيز بشكل خاص على تعميم وسائل الدفع الإلكتروني وتطوير التجارة الإلكترونية للحد من الاعتماد على المعاملات النقدية المباشرة.
تشير البيانات الربع سنوية الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي حتى 30 يونيو 2025 إلى أن أزمة نقص السيولة النقدية في المصارف التجارية ليست ناتجة عن ندرة في إجمالي العرض النقدي، بل عن اختلال هيكلي في مكونات القاعدة النقدية (Currency with Public + Bank Reserves)، أي في توزيع السيولة بين الجمهور والمصارف والبنك المركزي.
منذ عام 2014، لوحظ تراجع متواصل في نسبة العملة المتداولة إلى إجمالي احتياطيات المصارف لدى المركزي (C/R)، حيث انخفضت من مستويات تجاوزت (1.4 : 1) إلى أقل من (0.8 : 1) خلال عام 2025. هذا التراجع تزامن مع:
• رفع نسبة الاحتياطي القانوني من 20% إلى 30% • وزيادة حجم الودائع الإضافية لدى المركزي، لتصل إلى إجمالي يقارب 50% من ودائع المصارف.
هذه التطورات أدت إلى انكماش فعلي في السيولة المتاحة داخل النظام المصرفي، رغم بقاء إجمالي القاعدة النقدية شبه ثابت، نتيجة انتقال جزء كبير من السيولة من التداول إلى حسابات مجمدة داخل المصرف المركزي.
عمليًا، سحب الفئات النقدية (1، 5، 20، 50 دينارًا) وإعادة إصدار عملة بديلة بقيمة أقل (25 مليار مقابل 47 مليار مسحوبة) خفّض القاعدة النقدية بنحو 22 مليار دينار. ووفقًا لحسابات المضاعف النقدي فقد انخفض عرض النقود بمقدار يقارب 23.3 مليار دينار، نتيجة الانكماش في B وارتفاع rr.
وبناءً على هذه المؤشرات، فإن نقص السيولة بالمصارف يرجع إلى:
1. ارتفاع متطلبات الاحتياطي القانوني والإضافي (احتجاز نقدي داخل المركزي). 2. انخفاض نسبة العملة المتداولة إلى الاحتياطي لما دون (1.1)، ما قيّد تدفق النقد للسوق. 3. خلل في إدارة عملية سحب وإعادة إصدار العملة دون توازن بين حجم السحب والضخ.
ويتوقع أن ضخ عملة إضافية بقيمة 14 مليار دينار قبل نهاية 2025، و21 مليار خلال الربع الأول 2026، سيرفع النسبة إلى نحو (1.6 : 1)، وهو ما يُرجّح أن يعيد التوازن إلى القاعدة النقدية ويُخفف أزمة السيولة تدريجيًا.
من الأخير أزمة السيولة في ليبيا هي نتيجة لاختلال هيكلي في توزيع القاعدة النقدية وليس في حجمها الكلي، إذ أدى تراكم الاحتياطيات لدى المصرف المركزي مقابل تراجع العملة المتداولة إلى تقليص السيولة الفعلية المتاحة للجمهور. وبالتالي، فإن إعادة هيكلة مكونات القاعدة النقدية وضبط نسب الاحتياطي القانوني والاختياري تمثل المفتاح الأساسي لاستعادة الاستقرار النقدي وتحسين كفاءة السياسة النقدية.