Skip to main content

الوسم: رئيسي

“حلمي القماطي”: التداعيات النقدية والاقتصادية لاكتشاف زيادة غير مبرّرة في فئة العشرين دينار

كتب: د. حلمي القماطي – أستاذ الاقتصاد

في خطوة لافتة ومثيرة للجدل، كشف مصرف ليبيا المركزي في بيانه الأخير عن وجود زيادة غير مبررة في كمية الأوراق النقدية من فئة العشرين ديناراً تجاوزت ستة مليارات دينار، وهي زيادة لم تمر عبر القنوات الرسمية المعتمدة في إدارة الإصدار.
ورغم أن البيان جاء في إطار الشفافية وتوضيح الإجراءات المتخذة، إلا أن الأرقام المعلنة تفتح الباب أمام جملة من التساؤلات الجوهرية حول سلامة الرقابة النقدية، وحجم تأثير هذه الواقعة على الاستقرار المالي والسيولة المحلية.

أولاً: خلفية الواقعة

وفقاً للبيان، فإن الكميات المعتمدة للطباعة من فئة العشرين ديناراً كانت في حدود 13.4 مليار دينار، بينما أظهرت السجلات الفعلية وجود توريدات بلغت نحو 19.97 مليار دينار، أي بفارق يزيد عن 6.5 مليارات دينار لم تمر عبر الإجراءات القانونية أو الإشراف المباشر للمصرف المركزي.
وهذه الأرقام، إن صحت، تمثل خللاً حقيقياً في منظومة الإصدار النقدي التي تُعد من صميم اختصاص السلطة النقدية وحدها دون سواها.

ثانياً: الانعكاسات النقدية

من الناحية الاقتصادية، فإن أي زيادة في حجم الكتلة النقدية دون وجود مقابل إنتاجي حقيقي تؤدي إلى اتساع الفجوة بين العرض النقدي والسلعي، وهو ما ينعكس مباشرة في صورة تضخم وارتفاع في الأسعار، وتراجع في القوة الشرائية للدينار الليبي.
كما أن زيادة المعروض النقدي غير المنضبط تُربك السياسة النقدية وتجعل أدوات التعقيم أو امتصاص السيولة أقل فاعلية، خاصة في اقتصاد يعتمد على النقد الورقي بدرجة عالية وضعف التداول المصرفي.

إلى جانب ذلك، فإن مثل هذه الزيادات العشوائية في العملة تخلق تشوهات في بيانات النقد المتداول، مما يصعّب على المصرف المركزي تحديد الكتلة الفعلية في السوق، وبالتالي يُضعف من فعالية أدواته في إدارة السيولة أو التدخل في سعر الصرف.

ثالثاً: البعد الاقتصادي والاجتماعي

هذه الواقعة لا يمكن النظر إليها فقط من زاوية فنية، بل تمتد آثارها إلى ثقة الجمهور في العملة الوطنية. فحين يسمع المواطن أن مليارات من العملة طُبعت أو تم تداولها خارج السجلات الرسمية، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو فقدان الثقة في قيمة ما يحمله من نقود، ما يدفعه إلى تفضيل الاحتفاظ بالعملة الأجنبية أو الذهب.
وهذا السلوك، وإن كان دفاعياً من وجهة نظر الأفراد، إلا أنه يفاقم من ضغط الطلب على النقد الأجنبي، ويؤدي إلى مزيد من الاضطراب في سعر الصرف بالسوق الموازية، كما أن المصارف التجارية قد تجد نفسها أمام وضع مرتبك؛ فوجود عملة غير مطابقة أو مجهولة المصدر في التداول يخلق مخاطر تشغيلية ومحاسبية، ويزيد من صعوبة ضبط ميزانياتها النقدية اليومية.

رابعاً: البعد الرقابي والمؤسسي

من المؤكد أن ما حدث يُعدّ إخفاقاً رقابياً خطيراً يستوجب مراجعة شاملة لكافة حلقات إدارة النقد، بدءاً من عملية الطباعة وحتى التوزيع والسحب والإتلاف، فالإصدار النقدي يجب أن يخضع لنظام محكم من التوثيق والمطابقة بين المصرف المركزي والجهات المعنية، مع وجود رقابة خارجية فاعلة من الأجهزة المالية والرقابية في الدولة.

كما تفرض هذه الواقعة ضرورة الإسراع في تطوير منظومة الدفع الإلكتروني لتقليل الاعتماد المفرط على النقد الورقي، وهو الاتجاه الذي أصبح اليوم ركيزة أساسية في استقرار أي اقتصاد معاصر.

خامساً: البعد السياسي والاقتصادي الأوسع

لا يمكن إغفال أن مثل هذه التطورات تحدث في بيئة سياسية واقتصادية منقسمة، مما يزيد من صعوبة ضبط السياسات المالية والنقدية.
ومن ثمّ، فإن الحفاظ على وحدة المصرف المركزي وشفافية تعاملاته مع الجمهور والمؤسسات الدولية بات ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل.
كما أن مواجهة آثار هذه الواقعة تتطلب إرادة سياسية حقيقية لإعادة الانضباط المالي والنقدي، وتغليب المصلحة الاقتصادية على أي حسابات آنية أو مناطقية.

“رافع الشاوش” يوضح المحاور الرئيسية للمعالجة الجذرية لأزمة السيولة النقدية في ليبيا

كتب: المهتم بالشأن الاقتصادي “رافع الشاوش”

إن التوسع غير المدروس في القاعدة النقدية يضع النظام المصرفي تحت وطأة ضغوط متزايدة على السيولة النقدية، وهذا الافتراض يظل صحيحًا في حال توافرت بدائل استثمارية للمصارف التجارية تتسم بمخاطر أقل لعائِدٍ مقبول، لكن عند التمعن في واقع المحافظ الائتمانية، نجد أن حجم القروض المتعثرة قد تجاوز 50% من إجمالي محفظة الائتمان مما يُعكس بيئة مخاطرة عالية وفساد كبير بالمصارف التجارية.

وللأسف، يُعزى جانب كبير من هذا التضخم في القاعدة النقدية إلى تمويل العجز في الموازنة العامة ، مما أدى إلى تضخم الدين العام، كما أسهمت ممارسات أخرى في تفاقم المشكلة، أبرزها عملية خلق النقود من خلال ما يُعرف بنظام التغطية الوهمية، حيث يتم إصدار اعتمادات بمبالغ طائلة من خلال تدوير صكوك غير مغطاه فعليا.

أضف إلى ذلك، فإن الحجم الهائل للطلب الاستهلاكي، الذي يُقدر بمتوسط 2000 دينار شهريًا لكل موظف من إجمالي قوة عاملة تبلغ مليوني موظف، يعني تدفقًا نقديًا يصل إلى 4 مليارات دينار شهريًا. وبتراكم هذا المبلغ على مدار العام، تصل الحاجة إلى سيولة نقدية (كاش) لا تقل عن 50 مليار دينار سنويًا.

ويرجع سبب هذه الظاهرة إلى العجز الشديد في البنية التحتية للخدمات الإلكترونية والدفع الإلكتروني عن مجاراة حجم النشاط الاقتصادي، وكل هذه التحديات تنبع من ضعف الغطاء القيمي للعملة المحلية، حيث إن 40 مليار دينار لا تعادل سوى حوالي 6 مليارات دولار أمريكي فقط، في حين كانت نفس الـ 6 مليارات دولار تُعادل قرابة 7 مليارات دينار في السابق، وهي قيمة لا تتطلب كتلة نقدية ورقية بهذا الحجم الضخم.

وللأمانة، فإنه ما لم يتم المعالجة الجذرية من خلال ثلاثة محاور رئيسية ضمن خطة استراتيجية مدروسة، فلن يتم حل إشكالية السيولة. وتتمثل هذه المحاور في:

  1. تعزيز حوكمة المصارف : حيث يتعين على البنك المركزي التخلي عن سياسة التدخل المباشر في شؤون المصارف التجارية، والعمل بدلاً من ذلك على تمكين مجالس إداراتها لتصبح شريكًا فاعلاً في عملية اتخاذ القرار، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إصدار لائحة تنظيمية شاملة من البنك المركزي الليبي، تُغطي كافة الجوانب، بما في ذلك برامج التدريب والتطوير، وآليات المشاركة في القرارات الاستراتيجية، وتشكيل اللجان المتخصصة.
  2. تحديد المهام والصلاحيات يتوجب على السيد ناجي العامل محافظ البنك المركزي، التخلي عن سياسة “الصديق الكبير” وتجاوز الدور المنوط به، والالتزام بالحدود الوظيفية الدقيقة والمحددة سلفًا لمحافظ البنك المركزي، والامتناع عن تجاوزها وكذلك ان يمنح دور اوسع لمجلس ادارة المركزي ولا يسلب دورهم ويشكل اللجان الضرورية.
  3. خفض حجم القاعدة النقدية: من خلال حزمة من الإجراءات، مثل منح المصارف صلاحيات أوسع في مجالي الائتمان وبيع العملة الصعبة نقدًا، والتعامل بمنتجات التمويل الإسلامي كالمرابحة، ويجب أن يرافق هذا التوسع تعزيز كفاءة و إدارة الرقابة على المصارف وتطوير دليل حوكمة ورقابة مصرفية رصين لضمان عدم إساءة استخدام هذه الصلاحيات الموسعة.
  4. تطوير نظام المدفوعات الوطني: والتركيز بشكل خاص على تعميم وسائل الدفع الإلكتروني وتطوير التجارة الإلكترونية للحد من الاعتماد على المعاملات النقدية المباشرة.

“حلمي القماطي”: أزمة السيولة في ليبيا هي نتيجة لاختلال هيكلي في توزيع القاعدة النقدية وليس في حجمها الكلي

كتب: د. حلمي القماطي – أستاذ الاقتصاد

تشير البيانات الربع سنوية الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي حتى 30 يونيو 2025 إلى أن أزمة نقص السيولة النقدية في المصارف التجارية ليست ناتجة عن ندرة في إجمالي العرض النقدي، بل عن اختلال هيكلي في مكونات القاعدة النقدية (Currency with Public + Bank Reserves)، أي في توزيع السيولة بين الجمهور والمصارف والبنك المركزي.

منذ عام 2014، لوحظ تراجع متواصل في نسبة العملة المتداولة إلى إجمالي احتياطيات المصارف لدى المركزي (C/R)، حيث انخفضت من مستويات تجاوزت (1.4 : 1) إلى أقل من (0.8 : 1) خلال عام 2025. هذا التراجع تزامن مع:

• رفع نسبة الاحتياطي القانوني من 20% إلى 30%
• وزيادة حجم الودائع الإضافية لدى المركزي، لتصل إلى إجمالي يقارب 50% من ودائع المصارف.

هذه التطورات أدت إلى انكماش فعلي في السيولة المتاحة داخل النظام المصرفي، رغم بقاء إجمالي القاعدة النقدية شبه ثابت، نتيجة انتقال جزء كبير من السيولة من التداول إلى حسابات مجمدة داخل المصرف المركزي.

عمليًا، سحب الفئات النقدية (1، 5، 20، 50 دينارًا) وإعادة إصدار عملة بديلة بقيمة أقل (25 مليار مقابل 47 مليار مسحوبة) خفّض القاعدة النقدية بنحو 22 مليار دينار. ووفقًا لحسابات المضاعف النقدي فقد انخفض عرض النقود بمقدار يقارب 23.3 مليار دينار، نتيجة الانكماش في B وارتفاع rr.

وبناءً على هذه المؤشرات، فإن نقص السيولة بالمصارف يرجع إلى:

1. ارتفاع متطلبات الاحتياطي القانوني والإضافي (احتجاز نقدي داخل المركزي).
2. انخفاض نسبة العملة المتداولة إلى الاحتياطي لما دون (1.1)، ما قيّد تدفق النقد للسوق.
3. خلل في إدارة عملية سحب وإعادة إصدار العملة دون توازن بين حجم السحب والضخ.

ويتوقع أن ضخ عملة إضافية بقيمة 14 مليار دينار قبل نهاية 2025، و21 مليار خلال الربع الأول 2026، سيرفع النسبة إلى نحو (1.6 : 1)، وهو ما يُرجّح أن يعيد التوازن إلى القاعدة النقدية ويُخفف أزمة السيولة تدريجيًا.

من الأخير أزمة السيولة في ليبيا هي نتيجة لاختلال هيكلي في توزيع القاعدة النقدية وليس في حجمها الكلي، إذ أدى تراكم الاحتياطيات لدى المصرف المركزي مقابل تراجع العملة المتداولة إلى تقليص السيولة الفعلية المتاحة للجمهور. وبالتالي، فإن إعادة هيكلة مكونات القاعدة النقدية وضبط نسب الاحتياطي القانوني والاختياري تمثل المفتاح الأساسي لاستعادة الاستقرار النقدي وتحسين كفاءة السياسة النقدية.

“أنس الأمين” يكتب: شركة “K2 Integrity” ودخولها إلى العراق.. بين الحاجة إلى الشفافية ومخاوف السيادة

كتب: أستاذ الاقتصاد/ أنس الأمين

ليبيا ليست حالة شاذة في المنطقة عندما نسمع عن شركة أمريكية تدعى K2 Integrity تدخل إلى المشهد المالي بحجة الإصلاح والشفافية.

فمن قبلنا، وصلت هذه الشركة بالفعل إلى العراق، ودخلت أعمق مؤسساته المصرفية بموافقة البنك المركزي العراقي وتحت أنظار الاحتياطي الفدرالي الأمريكي.

القصة هناك لم تكن مجرد تعاون تقني، بل تحوّلت إلى تجربة معقّدة تتقاطع فيها السياسة بالاقتصاد، والسيادة بالامتثال المالي.

K2 Integrity ليست شركة جديدة على عالم المال والاستخبارات الاقتصادية. تأسست في نيويورك عام 2009 على يد الخبير الأمني المعروف جول كروول (Jules Kroll) وابنه جيريمي كروول (Jeremy Kroll).

العائلة الأمريكية هذه تُعدّ من أوائل من أسّسوا فكرة التحقيق المالي الخاص، إذ أسس جول كروول في الثمانينيات شركة “Kroll Associates”، التي اشتهرت بتعقّب الأموال المنهوبة والفساد المالي في كبرى القضايا الدولية.

ومن رحم تلك التجربة وُلدت K2 Integrity لتصبح اليوم واحدة من أهم الشركات الاستشارية في العالم بمجال مكافحة غسل الأموال، إدارة المخاطر، وبناء أنظمة الامتثال للبنوك المركزية.

لكن لماذا العراق في ذلك الوقت ؟

بدأت القصة حين لاحظت وزارة الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفدرالي أن مليارات الدولارات الخارجة من العراق عبر النظام المصرفي كانت تذهب إلى أطراف غير معروفة، وبعضها مرتبط بشبكات تمويل إيرانية.

أدّى ذلك إلى تجميد التعامل مع عدد من البنوك العراقية وتقييد وصولها إلى الدولار، وهو ما خلق أزمة ثقة في السوق المحلية.

وحين فشل البنك المركزي العراقي في ضبط الوضع داخليًا، جاء الحل من الخارج: الاستعانة بشركة K2 Integrity لمراجعة التحويلات ومراقبة مدى التزام البنوك بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

ما الدور الذي تلعبه الشركة فعلاً؟

K2 لا تعمل كمفتش سياسي بل كمستشار فني، لكن صلاحياتها واسعة.

فهي تراجع التحويلات المالية بالدولار قبل تنفيذها، وتوصي بالموافقة أو الرفض عند وجود شبهات.

كما وقّعت الشركة اتفاق شراكة لثلاث سنوات مع مصرف الرافدين الحكومي، لتطوير أنظمة الامتثال والحوكمة ومراقبة مصادر الأموال.

وفي خطوة أخرى، بدأت التعاون مع شركة Qi، المشغّل الوطني لبطاقات الدفع الإلكتروني، لتحديث نظام المدفوعات العراقي وجعله متوافقًا مع المعايير الأمريكية والدولية.

الاحتياطي الفدرالي الأمريكي لا يهدف إلى السيطرة المباشرة على البنوك العراقية، بل يسعى إلى ضمان عدم تسرب الدولار إلى جهات خاضعة للعقوبات.

فالعراق يعتمد بشكل كامل تقريبًا على تزويده بالدولار من خلال حساب البنك المركزي العراقي في نيويورك، وهو ما يمنح واشنطن نفوذًا كبيرًا على حركة العملة الصعبة داخل البلاد.

بالتالي، جاء دور K2 كوسيط تقني “مستقل”، يسمح للولايات المتحدة بمراقبة النظام المالي من الداخل دون تدخل حكومي رسمي، في ما يشبه الرقابة الناعمة أو “Soft Oversight”.

المعضلة تكمن بين الشفافية والسيادة

رغم أن عمل K2 ساعد في تحسين صورة القطاع المصرفي العراقي خارجيًا، إلا أن وجودها أثار جدلاً واسعًا داخل العراق.

فكثير من الاقتصاديين اعتبروا أن السماح لشركة أجنبية بالاطلاع على تفاصيل التحويلات والبيانات البنكية يشكّل مساسًا جزئيًا بالسيادة الوطنية.

في المقابل، يرى آخرون أن هذه الخطوة كانت ضرورية لانتشال النظام المصرفي من الفوضى وإعادته إلى المنظومة الدولية بثقة أكبر، ولو مؤقتًا تحت إشراف أمريكي.

تجربة K2 في العراق تحمل رسائل مهمّة لدول أخرى، منها ليبيا، التي بدأت هي الأخرى تشهد نقاشات حول الحاجة إلى إصلاح النظام المالي وتعزيز الشفافية الدولية.

ما حدث في العراق يوضح أن دخول مثل هذه الشركات لا يكون اعتباطيًا، بل يأتي عندما يفقد النظام المحلي الثقة الدولية ويحتاج إلى جهة محايدة لإعادة بنائه.

لكن الخط الرفيع بين “الإصلاح” و”الوصاية” يبقى حاضرًا دائمًا، لأن من يمنح الحق بالرقابة من الخارج قد يجد نفسه لاحقًا مرصودًا داخل بيته المالي.

ختاما، يبقى السؤال مفتوحًا:

هل ستكون K2 نموذجًا للإصلاح المالي الصادق، أم بوابة جديدة للنفوذ الأمريكي داخل مؤسساتنا الاقتصادية؟

الإجابة ستعتمد على مدى قدرة الدول — مثل العراق وربما ليبيا — على تحويل هذه الرقابة إلى خبرة وطنية مستقلة بدل أن تبقى عينًا أجنبية دائمة على مفاصلها المالية.

“الهادي عبدالقادر”: تحليل مُعمق ومفتوح في بيان رجل الأعمال “حسني بي” مع استخلاص الأسباب الكامنة وراء دعوته

كتب: الهادي عبد القادر/ مستشار الشؤون العامة لوزارة الاستثمار بالحكومة الليبية

يركز بيان “حسني بي” على جوهر الأزمة الليبية منذ عام 2014، وهي أزمة السيادة النقدية، وليس مجرد أزمة مالية أو سياسية عابرة. يمكن تفكيك تحليله على النحو التالي:

  1. تشخيص جذري للمشكلة: انقسام السلطة النقدية (2014)

· الحدث المؤسس: يعتبر بيان المصرف المركزي (في طرابلس) بشأن استبدال العملة هو الإجراء التصحيحي الأول الجريء منذ “انقسام السلطة النقدية عام 2014”. هذا يؤطر كل المشاكل اللاحقة على أنها نتاج لهذا الانقسام.
· التبعات الملموسة: يربط “حسني بي” بشكل مباشر بين هذا الانقسام و:
· إيقاف المقاصة المصرفية الوطنية (وهي عمود النظام المالي الفقري).
· إنشاء مقاصة موازية في الشرق.
· طباعة عملة غير خاضعة للرقابة في روسيا (وهو ما يمثل خروجاً على السيادة الوطنية).

  1. قراءة واقعية للبيانات: كشف “الحقيقة الإحصائية”
    هنا يقدم”حسني بي” خدمة كبيرة للرأي العام بكشفه عن تناقضات البيانات الرسمية، مما يؤكد أن المشكلة ليست تقنية فقط بل هي أزمة مصداقية:

· انفجار العرض النقدي: نمو العرض النقدي بنسبة 300% في عقد واحد (من 69 إلى 186.9 مليار دينار) هو وصفة أكيدة للتضخم الجامح وانهيار قيمة العملة.
· تفاوت البيانات: الفروق في تقديرات العرض النقدي (19% نهاية 2024، 27% نهاية 2022) تثبت عدم وجود رؤية موحدة، وأن جزءاً كبيراً من الاقتصاد كان يعمل بمعزل عن الرقابة المركزية.
· كشف الحجم الحقيقي للعملة “الموازية”: الإعلان عن أن قيمة العملة المطبوعة في روسيا هي 30 وليس 20 مليار دينار (بفارق 10 مليارات) يسلط الضوء على حجم التمويل غير الخاضع للمساءلة الذي تم خلال سنوات الانقسام.

  1. فلسفة التغيير: “الانطلاق من حيث وصلنا، لا العودة إلى الوراء”
    هذا هو الجزء الأكثر عمقاًفي البيان، حيث يقدم رؤية للمستقبل تتجاوز الماضي دون إنكاره:

· رفض النكوص: يرفض فكرة “العودة إلى ما قبل 2014” لأنه يعتبرها مستحيلة ومؤدية إلى “الركود والانهيار”. الواقع الجديد (بكل أخطائه) هو نقطة البداية.
· التوجه نحو المستقبل: دعوته إلى “ترك الماضي للمؤرخين والقضاء” هي دعوة عملية لعدم جعل الملفات القديمة رهينة للتجاذبات السياسية الحالية التي تعيق استقرار البلاد.
· الاعتراف كأساس للسياسات: يؤكد أن الاعتراف بالواقع المالي الحقيقي (حتى لو كان مراً) هو الخطوة الأولى والأساسية لوضع سياسات نقدية مسؤولة. لا يمكن علاج المرض دون تشخيص دقيق.

  1. الربط المباشر مع معاناة المواطن
    يخرج”حسني بي” من الإطار النظري ليربط بشكل مباشر بين الخلل النقدي وحياة الناس: “أي خلل في البيانات أو السياسات النقدية ينعكس مباشرة على الاقتصاد الوطني وعلى المواطن الليبي من خلال التضخم وتراجع القوة الشرائية”. هذا يجعل من القضية النقدية قضية اجتماعية وأمن قومي.

الـ “لماذا”: الدوافع الكامنة وراء الدعوة

  1. الخوف من الانهيار الاقتصادي الكلي: الأرقام التي ذكرها (نمو النقد بنسبة 300%) هي مؤشرات على شفا هاوية تضخم هايبيري كما حصل في دول مثل فنزويلا أو زيمبابوي.
  2. إدراك أن الاستقرار السياسي يرتكز على الاستقرار المالي: لا يمكن بناء دولة أو تحقيق استقرار سياسي في ظل انهيار قيمة دخل المواطن ومدخراته.
  3. الرغبة في كسر حلقة مفرغة: الانقسام النقدي يؤدي إلى انقسام سياسي والعكس صحيح. توحيد السلطة النقدية قد يكون المدخل العملي لكسر هذه الحلقة.
  4. حماية الاقتصاد الوطني من التلاعب: طباعة عملة خارج السياق الرسمي ووجود مقاصة موازية يخلقان اقتصاداً ظلاً يسهل فيه غسيل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة.

الإجراءات والضوابط الأفضل لليبيا (بناءً على هذا التحليل)

يمكن صياغة خطة عمل بناءً على مضامين بيان “حسني بي” كالتالي:

أولاً: إجراءات فنية عاجلة (قصيرة الأجل)

  1. إتمام عملية استبدال العملة بشفافية كاملة:
    · ضمان وصول العملة الجديدة لجميع المناطق دون تمييز.
    · وجود آلية واضحة ومحددة الزمن لسحب العملة القديمة (الطرابلسية والروسية) بشكل كامل.
    · استخدام تقنيات متطورة لمكافحة التزوير في العملة الجديدة.
  2. توحيد النظام المصرفي والمقاصة:
    · إعادة تفعيل “المقاصة المصرفية الوطنية” بشكل مركزي وفوري، وإلغاء أي شكل من أشكال المقاصة الموازية.
    · توحيد بيانات الميزانيات العمومية للمصرف المركزي وفروعه في جميع أنحاء ليبيا.
  3. الشفافية الإحصائية الفورية:
    · إصدار تقرير اقتصادي ومالي موحد وشهري من قبل المصرف المركزي، يتم مراجعته من قبل جهة دولية محايدة (مثل صندوق النقد الدولي)، لنشر جميع بيانات العرض النقدي واحتياطيات النقد الأجنبي.

ثانياً: إجراءات هيكلية مؤسسية (متوسطة الأجل)

  1. إصلاح حوكمة المصرف المركزي:
    · تشكيل مجلس إدارة للمصرف المركزي يمثل جميع المناطق الليبية، ويعمل على أساس الكفاءة والنزاهة وليس الانتماء السياسي أو الجهوي.
    · إقرار قانون للمصرف المركزي يضمن استقلاليته الحقيقية مع خضوعه للمساءلة أمام البرلمان (عند قيامه).
  2. وضع أطر للسياسة النقدية:
    · اعتماد “استهداف التضخم” كهدف رئيسي للسياسة النقدية، مع تحديد معدل تضخم مستهدف واضح.
    · وقف تمويل العجز في الميزانية عن طريق طباعة النقود (التمويل النقدي للعجز)، وهو السبب الرئيسي للتضخم.
  3. إصلاح النظام المالي:
    · تعزيز أنظمة الرقابة المالية على البنوك التجارية.
    · تطوير أنظمة الدفع الإلكتروني لتقليل الاعتماد على النقد.

ثالثاً: ضوابط حاكمة (طويلة الأجل)

  1. الضبط السياسي:
    · تغليب المصلحة الوطنية: يجب أن يكون هناك إجماع وطني بين جميع الأطراف السياسية على أن السلطة النقدية موحدة وغير قابلة للتجزئة. أي محاولة للعبث بهذا الملف يجب أن تواجه برفض شعبي وسياسي موحد.
    · المحاسبة والشفافية: محاسبة جميع المسؤولين السابقين والحاليين عن أي تلاعب في البيانات أو إصدار عملة خارج الإطار القانوني، ليكون ذلك رادعاً للمستقبل.
  2. الضبط الاجتماعي:
    · التوعية الاقتصادية: قيام المصرف المركزي بحملات توعية للمواطن العادي لشرح السياسات النقدية وأثرها على حياته، لكسب التأييد الشعبي للإصلاحات.
    · مشاركة المجتمع المدني: إشراك نقابات الاقتصاديين والمحاسبين والمجتمع المدني في مراقبة أداء المؤسسات النقدية.
  3. الضبط الدولي:
    · الاستعانة بالخبرة الدولية: التعاون مع مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليس للحصول على قروض، بل للحصول على المساعدة الفنية في بناء القدرات ومراجعة السياسات.

خلاصة:

بيان “حسني بي” هو أكثر من مجرد تعليق على تغيير العملة؛ إنه برنامج إصلاحي متكامل يبدأ من الاعتراف بالواقع المالي المرير، ويمر عبر توحيد السلطة النقدية كحجر أساس، وينتهي عند بناء مستقبل مستقر على أسس من الشفافية والمؤسسية والمصلحة الوطنية العليا. نجاح هذه الرؤية لا يعتمد على الجانب الفني فقط، بل على الإرادة السياسية والاجتماعية لتغليب مصلحة ليبيا فوق كل الاعتبارات.

“أكرم الغزيوي”: خطوة مهمة في طريق إصلاح السياسة النقدية.. ومصرف ليبيا المركزي يفتح الباب

كتب: أكرم عبدالله الغزيوي / باحث اقتصادي ونائب مدير عام شركة التكافل للتأمين

في زمن تحتاج فيه ليبيا لأدوات مالية نظيفة وفعالة، مصرف ليبيا المركزي يطلق شهادات إيداع شرعية، تبني الثقة وتنظم السوق.

شن معناها؟
يعني البنوك تودّع فلوسها في المصرف المركزي، والمصرف يستثمرها بعقد مضاربة ، وبعد سنة يرجّع الفلوس مع الربح الحلال.

ليش مهم؟
لأنها أداة جديدة تمتص السيولة الزايدة، وتخلي الفلوس تشتغل في مشاريع حقيقية، مش تتراكم بفائدة محرّمة.

وين الفرق؟
المصارف الإسلامية ما تربح من الفائدة، تربح من الاستثمار… وهذه الشهادة هي البديل الشرعي لسعر الفائدة، وتخدم الاقتصاد الوطني.

من شهادة إيداع إلى شهادة إصلاح
كل خطوة نقدية مدروسة هي لبنة في بناء قطاع مصرفي ليبي محترف، يحترم الدين، ويخدم التنمية ويشجع على زيادة الوداع في القطاع المصرفي.

“علي الشريف”: التحول نحو الشمول المالي ليس مسؤولية المصرف المركزي لوحده بل يتطلب تعاون مختلف الجهات

كتب: الخبير الاقتصادي “علي الشريف”

يسعى المصرف المركزي الليبي إلى تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في التحول نحو الشمول المالي في أقرب وقت ممكن، باعتباره خطوة أساسية لتعزيز النمو الاقتصادي وتطوير القطاع المالي في البلاد. غير أن تحقيق هذا الهدف لا يُعد مسؤولية المصرف المركزي وحده، بل يتطلب تعاوناً وتكاملاً بين مختلف الجهات ذات العلاقة.

فمن الضروري أن تسهم شركات الاتصالات في توسيع وتطوير شبكات الإنترنت لضمان وصول الخدمات الإلكترونية إلى جميع المناطق، كما ينبغي على المصارف التجارية العمل على تسهيل وتسريع إجراءات الحصول على هذه الخدمات وتبسيطها للمواطنين.

كذلك يقع على عاتق وزارة الاقتصاد والحرس البلدي دور مهم في تنظيم الأسواق وتشجيع التجار على اعتماد وسائل الدفع الإلكتروني، إلى جانب دور وسائل الإعلام في نشر الوعي بأهمية الشمول المالي وإقناع الأفراد والتجار بمزايا التعامل عبر الخدمات الإلكترونية والابتعاد عن التعامل النقدي الذي ينطوي على مخاطر متعددة.

وإذا تحقق هذا التعاون والتكامل بين مختلف الأطراف، فإن التعامل بالنقود السائلة سيصبح جزءاً من الماضي خلال فترة وجيزة، لتدخل ليبيا بذلك مرحلة جديدة من التطور المالي والاقتصادي.

“رافع الشاوش”: ينبغي على جميع الليبيين أن يتكاتفوا ويقفوا خلف المحافظ ويدعموا استمرار عملية الإصلاحات

كتب: المهتم بالشأن الاقتصادي “رافع الشاوش”

ينبغي على جميع الليبيين أن يتكاتفوا ويقفوا خلف المحافظ، وأن يدعموا استمرار عملية الإصلاحات بكل حزم وقوة، دون أن يسمحوا بتعريض الوطن ومقدراته لمخاطر العابثين وممارساتهم الهدامة.

أما فيما يخص أداءه المهني، فهو محكومٌ بضوابط ومعايير مهنية صارمة، وقائم على مفاهيم وأُسس احترافية رصينة، كما أنه يخضع للمراجعة الدقيقة والتقييم الموضوعي تحت مجهر خبراء الاقتصاد والمال، فإن نال عمله قبولَ تلك النخبة من الخبراء والمختصين، فإنه بذلك يكون قد أنجز المهمة المُوكلة إليه بمهنية عالية، ويكون قد برئ ذمته من أي مسؤوليات أخلاقية أو قانونية.

وفي المقابل، فإن طائفة المتصارعين على السلطة التى تريد إقالة المحافظ تفتقر تماماً إلى أي معيار واضح، أو منهجية عمل رشيدة، أو أُسس سليمة، كما تخلو أجنداتهم من أي أهداف وطنية نبيلة، كل ما يصبون إليه هو جرّ المصرف المركزي إلى حلبة صراعاتهم الضيقة، فلا ينبغي له أن يلتفت إليهم أو لضغوطهم، وحتى لو تمت إقالته نتيجة لذلك، فإن ذلك سيشكل وسام فخر على صدره، وسيسجل اسمه في سجلات الأداء الوطني والمهني بأحرف من ذهب.

“علي الشريف”: ظاهرة الإصدارات النقدية خارج النظام المصرفي تتطلب تشكيل لجنة مشتركة بشكل عاجل للتحقيق وضبط الجهات المتورطة

كتب: الخبير الاقتصادي “علي الشريف”

تُعزى ظاهرة الإصدارات النقدية خارج النظام المصرفي بالدرجة الأولى إلى الانقسام السياسي وما ترتب عليه من انقسام في المؤسسة النقدية المركزية، الأمر الذي أضعف وحدة القرار النقدي وأدى إلى غياب التنسيق والرقابة الفعّالة على عمليات الإصدار.

هذا الوضع أسهم في خلق بيئة تسمح بتداول نقدي غير قانوني، مما تسبب في تهديد خطير للاستقرار النقدي والمالي، كما نتج عنه فقدان المصرف المركزي السيطرة على العرض النقدي وارتفاع معدلات التضخم، إضافة إلى ذلك، أدى إلى تنامي الاقتصاد الموازي وغسيل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة، وهو ما أضعف الثقة في العملة الوطنية وقوّض دور الجهاز المصرفي في تمويل الاقتصاد.

ولمعالجة هذه الأزمة، يتطلب الأمر تدخلاً عاجلاً عبر تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق وضبط الجهات المتورطة، كما ينبغي أن يقوم المصرف المركزي الموحد بمراجعة إجراءات إصدار العملة وتعزيز خصائص الأمان فيها، ومن الضروري كذلك تشديد العقوبات القانونية على التزوير والإصدار غير المشروع.

في المقابل، يجب إطلاق حملات توعية وتحفيز المواطنين على التعامل عبر البنوك والقنوات الرسمية، ويساعد على ذلك توسيع الشمول المالي والتحول إلى أنظمة الدفع الرقمي لتقليل الاعتماد على النقد الورقي، وبذلك يمكن أن نصل إلى استعادة الثقة في النظام المصرفي وتحقيق استقرار نقدي ومالي يعزز الاقتصاد الوطني.

المصرف المركزي: إجمالي الإنفاق الحكومي خلال العام 2025 حتى نهاية شهر سبتمبر بلغ 86.2 مليار دينار

كشف مصرف ليبيا المركزي في بيانه الصادر اليوم الأربعاء بشأن الإيرادات والإنفاق بأن إجمالي الإنفاق الحكومي خلال العام 2025 حتى نهاية شهر سبتمبر بلغ 86.2 مليار دينار، فيما وصلت قيمة إيرادات الدولة خلال ذات الفترة 94.6 مليار دينار أي بوجود فائض بقيمة 8.4 مليار دينار.

وأوضح المصرف المركزي بأن إجمالي الإنفاق الحكومي خلال العام 2025 حتى نهاية شهر سبتمبر بلغ نحو 86.2 مليار دينار، خصص منها مبلغ 51 مليار دينار للمرتبات و29.5 مليارا لباب الدعم، إضافة إلى 4 مليار دينار للنفقات التسييرية، و1.7 مليار دينار لباب التنمية.

أما فيما يتعلق بالإيرادات فقد مثلت الإيرادات النفطية من مبيعات النفط والغاز والإتاوات نحو 98% من إيرادات الدولة، إذ وصلت إلى 92.8 مليار دينار، فيما بلغت الإيرادات السيادية الأخرى من ضرائب وجمارك واتصالات وغيرها نحو 1.8 مليار دينار.