كتب: أكرم عبدالله الغزيوي / باحث اقتصادي ونائب مدير عام شركة التكافل للتأمين
في زمن تحتاج فيه ليبيا لأدوات مالية نظيفة وفعالة، مصرف ليبيا المركزي يطلق شهادات إيداع شرعية، تبني الثقة وتنظم السوق.
شن معناها؟ يعني البنوك تودّع فلوسها في المصرف المركزي، والمصرف يستثمرها بعقد مضاربة ، وبعد سنة يرجّع الفلوس مع الربح الحلال.
ليش مهم؟ لأنها أداة جديدة تمتص السيولة الزايدة، وتخلي الفلوس تشتغل في مشاريع حقيقية، مش تتراكم بفائدة محرّمة.
وين الفرق؟ المصارف الإسلامية ما تربح من الفائدة، تربح من الاستثمار… وهذه الشهادة هي البديل الشرعي لسعر الفائدة، وتخدم الاقتصاد الوطني.
من شهادة إيداع إلى شهادة إصلاح كل خطوة نقدية مدروسة هي لبنة في بناء قطاع مصرفي ليبي محترف، يحترم الدين، ويخدم التنمية ويشجع على زيادة الوداع في القطاع المصرفي.
يسعى المصرف المركزي الليبي إلى تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في التحول نحو الشمول المالي في أقرب وقت ممكن، باعتباره خطوة أساسية لتعزيز النمو الاقتصادي وتطوير القطاع المالي في البلاد. غير أن تحقيق هذا الهدف لا يُعد مسؤولية المصرف المركزي وحده، بل يتطلب تعاوناً وتكاملاً بين مختلف الجهات ذات العلاقة.
فمن الضروري أن تسهم شركات الاتصالات في توسيع وتطوير شبكات الإنترنت لضمان وصول الخدمات الإلكترونية إلى جميع المناطق، كما ينبغي على المصارف التجارية العمل على تسهيل وتسريع إجراءات الحصول على هذه الخدمات وتبسيطها للمواطنين.
كذلك يقع على عاتق وزارة الاقتصاد والحرس البلدي دور مهم في تنظيم الأسواق وتشجيع التجار على اعتماد وسائل الدفع الإلكتروني، إلى جانب دور وسائل الإعلام في نشر الوعي بأهمية الشمول المالي وإقناع الأفراد والتجار بمزايا التعامل عبر الخدمات الإلكترونية والابتعاد عن التعامل النقدي الذي ينطوي على مخاطر متعددة.
وإذا تحقق هذا التعاون والتكامل بين مختلف الأطراف، فإن التعامل بالنقود السائلة سيصبح جزءاً من الماضي خلال فترة وجيزة، لتدخل ليبيا بذلك مرحلة جديدة من التطور المالي والاقتصادي.
ينبغي على جميع الليبيين أن يتكاتفوا ويقفوا خلف المحافظ، وأن يدعموا استمرار عملية الإصلاحات بكل حزم وقوة، دون أن يسمحوا بتعريض الوطن ومقدراته لمخاطر العابثين وممارساتهم الهدامة.
أما فيما يخص أداءه المهني، فهو محكومٌ بضوابط ومعايير مهنية صارمة، وقائم على مفاهيم وأُسس احترافية رصينة، كما أنه يخضع للمراجعة الدقيقة والتقييم الموضوعي تحت مجهر خبراء الاقتصاد والمال، فإن نال عمله قبولَ تلك النخبة من الخبراء والمختصين، فإنه بذلك يكون قد أنجز المهمة المُوكلة إليه بمهنية عالية، ويكون قد برئ ذمته من أي مسؤوليات أخلاقية أو قانونية.
وفي المقابل، فإن طائفة المتصارعين على السلطة التى تريد إقالة المحافظ تفتقر تماماً إلى أي معيار واضح، أو منهجية عمل رشيدة، أو أُسس سليمة، كما تخلو أجنداتهم من أي أهداف وطنية نبيلة، كل ما يصبون إليه هو جرّ المصرف المركزي إلى حلبة صراعاتهم الضيقة، فلا ينبغي له أن يلتفت إليهم أو لضغوطهم، وحتى لو تمت إقالته نتيجة لذلك، فإن ذلك سيشكل وسام فخر على صدره، وسيسجل اسمه في سجلات الأداء الوطني والمهني بأحرف من ذهب.
أعرب رجل الأعمال حسني بي عن قلقه ودهشته إزاء التصعيد الإعلامي المتزايد عبر الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي، عقب صدور بيان مصرف ليبيا المركزي بشأن استبدال الفئات النقدية (1 – 5 – 20 – 50 ديناراً) خلال عام 2025، مؤكدًا أن هذه الخطوة تمثل إجراءً جريئًا وضروريًا نحو تحقيق الاستقرار النقدي الذي طال انتظاره منذ انقسام السلطة النقدية عام 2014 وإيقاف المقاصة المصرفية الوطنية و ما نتج عنها من تباعيات انشاء مقاصة موازية و طباعة عملة بروسيا .
وأضاف قائلاً: “كل ما نرجوه اليوم هو تجنب تكرار تجربة الانقسام النقدي، التي عانى منها الوطن بعد عام 2014، وما خلفته من أضرار اقتصادية واجتماعية ما زلنا نتعامل مع نتائجها حتى الآن. نحن أبناء عام 2025، والاستقرار بالنسبة لنا يعني الانطلاق من حيث وصلنا، لا العودة إلى الوراء. علينا أن نترك الماضي للمؤرخين والقضاء، وأن نوجّه جهودنا نحو المستقبل.”
وأشار إلى أن عرض النقود في ليبيا شهد نمواً غير مسبوق؛ إذ بلغ في عام 2014 نحو 69 مليار دينار، بينما وصل في منتصف عام 2025 إلى حوالي 186.9 مليار دينار بعد إضافة قيمة العملة المطبوعة في روسيا والمقدّرة بـ30 مليار دينار ، أي بمعدل نمو تجاوز 300% خلال عقد واحد، وهو ما يعكس التحديات الكبيرة أمام تحقيق الاستقرار النقدي و معدل عام الاسعار والحد من التضخم.
وفي هذا السياق، بيّن “حسني بي” أن بيانات المصرف المركزي الأخيرة كشفت عن فارق كبير في تقديرات العرض النقدي، حيث بلغت قيمته 188 مليار دينار حتى 31 ديسمبر 2024، مقابل 158 مليار دينار في التقارير السابقة، أي بزيادة تقارب 19%، بينما وصل الفارق في نهاية عام 2022 إلى 27%.
وأوضح أن هذه الفروقات تطرح تساؤلات جوهرية حول دقة البيانات النقدية السابقة، وتؤكد أهمية توحيد البيانات والمصادر بعد سنوات من الانقسام الإداري ووجود مقاصة موازية في المنطقة الشرقية منذ أكتوبر 2014، كما أشار إلى أن العملة المطبوعة في روسيا، التي كانت تُقدر سابقاً بـ20 مليار دينار حسبما أقر المراجع الدولي “Deloitte”، تبيّن أن قيمتها الفعلية بلغت 30 مليار دينار بعد عملية السحب من التداول، بفارق 10 مليارات دينار عن التقديرات السابقة.
وبيّن أن المصرف المركزي سحب عملة نقدية من فئات صغيرة ومتوسطة بقيمة إجمالية بلغت 47 مليار دينار، وأصدر في المقابل عملة جديدة بقيمة 25 مليار دينار فقط، أي بفقدان نقدي فعلي يقدّر بـ22 مليار دينار، كما أكد أن الاعتراف بالواقع المالي الحقيقي يمثل الخطوة الأولى نحو رسم سياسات نقدية مسؤولة تستند إلى بيانات دقيقة ومؤشرات واقعية، موضحًا أن أي خلل في البيانات أو السياسات النقدية ينعكس مباشرة على الاقتصاد الوطني وعلى المواطن الليبي من خلال التضخم وتراجع القوة الشرائية.
وشدد “حسني بي” في ختام حديثه على أن المرحلة المقبلة تتطلب رؤية موحدة وتخطيطًا شفافًا لمستقبل اقتصادي مستقر، يقوم على المصارحة والمحاسبة والعمل المؤسسي، بعيدًا عن الانقسامات والتجاذبات الجهوية، قائلاً: “الاستقرار النقدي لا يمكن تحقيقه بالعودة إلى الوراء، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى الركود والانهيار، بل يتحقق من خلال التفاهم والتكامل والعمل بروح وطنية خالصة لتحقيق مستقبل مختلف وأفضل”.
تُعزى ظاهرة الإصدارات النقدية خارج النظام المصرفي بالدرجة الأولى إلى الانقسام السياسي وما ترتب عليه من انقسام في المؤسسة النقدية المركزية، الأمر الذي أضعف وحدة القرار النقدي وأدى إلى غياب التنسيق والرقابة الفعّالة على عمليات الإصدار.
هذا الوضع أسهم في خلق بيئة تسمح بتداول نقدي غير قانوني، مما تسبب في تهديد خطير للاستقرار النقدي والمالي، كما نتج عنه فقدان المصرف المركزي السيطرة على العرض النقدي وارتفاع معدلات التضخم، إضافة إلى ذلك، أدى إلى تنامي الاقتصاد الموازي وغسيل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة، وهو ما أضعف الثقة في العملة الوطنية وقوّض دور الجهاز المصرفي في تمويل الاقتصاد.
ولمعالجة هذه الأزمة، يتطلب الأمر تدخلاً عاجلاً عبر تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق وضبط الجهات المتورطة، كما ينبغي أن يقوم المصرف المركزي الموحد بمراجعة إجراءات إصدار العملة وتعزيز خصائص الأمان فيها، ومن الضروري كذلك تشديد العقوبات القانونية على التزوير والإصدار غير المشروع.
في المقابل، يجب إطلاق حملات توعية وتحفيز المواطنين على التعامل عبر البنوك والقنوات الرسمية، ويساعد على ذلك توسيع الشمول المالي والتحول إلى أنظمة الدفع الرقمي لتقليل الاعتماد على النقد الورقي، وبذلك يمكن أن نصل إلى استعادة الثقة في النظام المصرفي وتحقيق استقرار نقدي ومالي يعزز الاقتصاد الوطني.
كشف مصرف ليبيا المركزي في بيانه الصادر اليوم الأربعاء بشأن الإيرادات والإنفاق بأن إجمالي الإنفاق الحكومي خلال العام 2025 حتى نهاية شهر سبتمبر بلغ 86.2 مليار دينار، فيما وصلت قيمة إيرادات الدولة خلال ذات الفترة 94.6 مليار دينار أي بوجود فائض بقيمة 8.4 مليار دينار.
وأوضح المصرف المركزي بأن إجمالي الإنفاق الحكومي خلال العام 2025 حتى نهاية شهر سبتمبر بلغ نحو 86.2 مليار دينار، خصص منها مبلغ 51 مليار دينار للمرتبات و29.5 مليارا لباب الدعم، إضافة إلى 4 مليار دينار للنفقات التسييرية، و1.7 مليار دينار لباب التنمية.
أما فيما يتعلق بالإيرادات فقد مثلت الإيرادات النفطية من مبيعات النفط والغاز والإتاوات نحو 98% من إيرادات الدولة، إذ وصلت إلى 92.8 مليار دينار، فيما بلغت الإيرادات السيادية الأخرى من ضرائب وجمارك واتصالات وغيرها نحو 1.8 مليار دينار.
في زحام النقاشات حول انهيار الدينار الليبي وما يرافقه من ارتباك اقتصادي، يطل علينا بعض المسؤولين وكأنهم ملائكة الخلاص، بينما يتناسى الجميع أننا أمام إرثٍ ثقيل من الفشل وسوء الإدارة.
قيادة المصرف المركزي السابقة لعبت دورًا محوريًا في تقويض المؤسسات وتكريس الانقسام، حين انحازت إلى معسكر سياسي على حساب المصلحة الوطنية، فبدلاً من أن يكون المصرف المركزي مؤسسة محايدة تحمي قيمة العملة وتراقب السياسة المالية، تحول إلى أداة في صراع سياسي، الأمر الذي شق البلاد إلى مصرفين متنافسين يطبع كلٌ منهما عملة ويمول حكومته الخاصة .
وما يزيد من الاستياء أن القيادة الحالية تعيد تدوير الرواية نفسها، وترمي بفشلها في دعم الدينار على “السياسات النقدية للفرع الشرقي” خلال فترة الانقسام، نعم، طبع الفرع الشرقي نقودًا في روسيا، لكن هذا الرقم ضئيل مقارنة بالسيولة التي ضخها المصرف المركزي نفسه عبر “خلق نقود رقمية” وتمويل إنفاق الحكومات دون غطاء حقيقي.
تقرير البنك الدولي يُظهر أن النقد خارج البنوك ارتفع من أقل من ثلاثة مليارات دينار عام 2004 إلى أضعاف مضاعفة بدون أي زيادة ملحوظة في الإنتاجية او الناتج العام المحلي، ما يعني أن المشكلة أعمق من “عملة مطبوعة في روسيا”، الأزمة تتعلق بثقافة الإنفاق الارتجالي والعجز عن التوصل إلى ميزانية موحدة؛ إذ اضطرت الحكومات إلى اتفاقيات مالية غير رسمية، وأصبح المصرف المركزي هو من يحدد سقف الإنفاق عبر التحكم في النقد الأجنبي.
من جهة أخرى، جمد المصرف المركزي العمل بأدوات التحويل الاعتيادية وفرض قيودًا بيروقراطية خانقة على فتح الاعتمادات وتحويل العملة الصعبة، متذرعًا بمحاربة المضاربة وغسل الأموال. تلك القيود لم تؤدِ إلا إلى ازدهار السوق الموازية؛ فالإجراءات المعقدة وضريبة الصرف المرتفعة دفعت الشركات إلى اللجوء للسوق السوداء.
وبدلًا من معالجة جذور الأزمة، عمد المصرف المركزي إلى تهميش البنوك التجارية وتحويلها إلى مجرد “نوافذ إدارية” تصدر اعتمادات بأمره، بينما تعتمد أرباحها على عمولات بيع العملة الأجنبية، هذه السياسات غير الرشيدة قضت على ثقة المواطنين في النظام المصرفي وزادت من اكتناز السيولة خارج البنوك.
الأخطر من ذلك أن المصرف المركزي، تحت مسمى “الإصلاح”، بدأ يمارس مهامًا ليست من اختصاصه: فأصبح يحدد سقف الإنفاق الحكومي كأنه وزارة مالية، ويفرض شروطًا على التجارة كأنه وزارة تجارة، بل وأدار منصة لتوزيع العملة الصعبة أشبه بمكتب صرافة. استخدام سلطة الرقابة لتسيير عمليات تجارية وتمويلية يناقض جوهر دور المصرف المركزي، الذي يجب أن يركز على الاستقرار النقدي والرقابة المصرفية لا على إدارة الاعتمادات وتقرير من يحصل على الدولار. إن إعادة البنك إلى وظيفته التنظيمية والإشرافية ضرورة لإعادة الثقة في النظام المالي.
إن الحديث عن الإصلاح لا يكتمل من دون الاعتراف بالأخطاء والفساد الذي غذى هذه الأزمة، والمطلوب هو إعادة بناء المصرف المركزي كمؤسسة مستقلة، ووضع ميزانية موحدة شفافة، وإلغاء الضرائب غير المجدية على العملات الأجنبية، وإعادة البنوك إلى دورها الطبيعي كشريك في التنمية لا كمنفذ لشروط المصرف المركزي، وبدون هذه الإصلاحات الجذرية، سيظل الدينار رهينة للقرارات الارتجالية، وستبقى السوق السوداء هي الملاذ لكل من يريد ممارسة التجارة والاستيراد او حتي الاستخدام الشخصي في ليبيا.
كتب: أكرم عبدالله الغزيوي / باحث اقتصادي ونائب مدير عام شركة التكافل للتأمين
بعد نقاش موسع مع برنامج “Copilot” كانت المحصلة تقرير متكامل حول “الكارثة النقدية في ليبيا .. الأسباب، التداعيات، والحلول”.
مقدمة عامة يشهد الاقتصاد الليبي أزمة نقدية غير مسبوقة، نتيجة طباعة أكثر من 10 مليار دينار خارج منظومة مصرف ليبيا المركزي، وتداول إلكتروني غير مصرح به تجاوز 200 مليار دينار، وسحب فئات نقدية بقيمة 40 مليار دينار (فئة 50 و20 دينار). هذه المؤشرات تعكس خللًا هيكليًا في السياسة النقدية، وتستدعي تدخلًا عاجلًا على المستويين الوطني والدولي.
الأسباب الجذرية للأزمة
غياب التنسيق بين السلطات النقدية في الشرق والغرب.
طباعة نقدية خارج الإطار القانوني دون غطاء إنتاجي أو احتياطي.
توسع التداول الإلكتروني غير المنظم عبر منصات غير مرخصة.
ضعف الرقابة على الكتلة النقدية وعدم وجود قاعدة بيانات موحدة.
غياب الشفافية في تقارير المصرف المركزي.
التداعيات الاقتصادية والمالية
أ. على الاقتصاد الكلي:
تضخم مفرط وانخفاض القوة الشرائية.
تشويه مؤشرات العرض والطلب.
توسع السوق السوداء والدولرة.
ب. على السياسة النقدية:
فقدان السيطرة على أدوات السياسة النقدية.
تآكل احتياطي النقد الأجنبي.
صعوبة ضبط سعر الصرف أو التحكم في السيولة.
ج. على المواطن:
ارتفاع الأسعار دون زيادة في الدخل.
فقدان الثقة في العملة الوطنية.
تراجع مستوى المعيشة وزيادة معدلات الفقر.
سحب فئات نقدية بقيمة 40 مليار دينار
كشف حجم الكتلة النقدية غير المنضبطة.
تأكيد وجود تداول غير قانوني لفئة 50 دينار.
إرباك السوق النقدي وزيادة الاعتماد على العملات الأجنبية.
تضخم إلكتروني موازٍ غير قابل للرقابة.
التدخل الدولي: شركة K2 Integrity الأمريكية
تم التعاقد مع شركة K2 Integrity لمراقبة التحويلات المالية.
الهدف: تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد المالي.
الدور: فحص المدفوعات، دعم المصرف المركزي فنيًا، وتقديم تقارير رقابية.
الأثر: خطوة نحو استعادة الثقة الدولية، وتمهيد لبرامج دعم من صندوق النقد والبنك الدولي.
ردود فعل محتملة من المؤسسات الدولية
تعليق الدعم الفني والمالي إذا استمر الخلل.
فرض رقابة دولية على الإصلاحات النقدية.
خفض التصنيف الائتماني لليبيا.
إدراج جهات محلية في قوائم المراقبة المالية الدولية.
خارطة طريق للإصلاح النقدي
أ. إجراءات عاجلة:
وقف الطباعة غير القانونية.
تجميد التداول الإلكتروني غير المرخص.
تشكيل لجنة وطنية مستقلة لمراجعة الكتلة النقدية.
ب. إصلاحات هيكلية:
توحيد السياسة النقدية بين الشرق والغرب.
تنظيم الدفع الإلكتروني وربطه بمنظومة المصرف المركزي.
تحديث البنية التحتية الرقمية للمصارف.
ج. استعادة الثقة:
إصدار تقارير شفافة دورية من مصرف ليبيا المركزي.
إطلاق حملات توعية مجتمعية.
إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في الإصلاحات.
د. التعاون الدولي:
طلب دعم فني من صندوق النقد والبنك الدولي.
إشراك خبراء دوليين في مراقبة تنفيذ الإصلاحات.
ربط أي تمويل دولي بخطة إصلاح واضحة وشفافة.
خاتمة إن معالجة هذه الكارثة النقدية تتطلب إرادة سياسية موحدة، وشراكة وطنية شاملة، ودعمًا دوليًا فنيًا وماليًا. إنقاذ الاقتصاد الليبي يبدأ من استعادة الثقة في العملة الوطنية، وضبط الكتلة النقدية، وتوحيد السياسة النقدية، وتحويل الأزمة إلى فرصة إصلاح حقيقية.
كتب: الهادي عبد القادر/ مستشار الشؤون العامة لوزارة الاستثمار بالحكومة الليبية
لكي نخوض في تحليل معمق ومنفتح للخريطة الاستثمارية المقترحة، لا كمجرد خطة تقنية، ولكن كرؤية تحويلية لتاريخ ليبيا الاقتصادي. هذا التحليل سينطلق من القراءة بين السطور للسياق الليبي، ويبني عليها لطرح أفكار استباقية.
التحليل الشامل: من الإصلاح إلى التحول الاستراتيجي
لا يمكن فهم أي خطة استثمارية لليبيا بمعزل عن واقعها. لذلك، سنحلل الخريطة عبر عدة مستويات:
السياق الليبي: التشخيص الجراحي للواقع
· تحديات نظامية عميقة: المشكلة ليست فقط في غياب الاستراتيجيات، بل في “تفتت السيادة”. وجود حكومتين ومؤسسات منقسمة يعني غياب “صانع القرار النهائي” الموثوق به، مما يلغي عنصر “الأمن والضمان” من جذوره. أي خطة يجب أن تبدأ بآلية للحوكمة العابرة للسلطات (مثل هيئة مشتركة للإشراف على الاستثمار ذات تمثيل دولي). · التركيبة النفسية-الاجتماعية: سنوات من الصراع خلقت مجتمع “الغنيمة” بدلاً من مجتمع “الإنتاج”. ثقافة الريع النفطي طمست ثقافة المخاطرة الاستثمارية والإبداع. الخريطة يجب أن تتضمن “مشروعًا ثقافيًا موازيًا” لترويج قيم الإنتاجية والشفافية والمساءلة. · الأزمة ليست مالية بل هي أزمة ثقة: رأس المال الحقيقي ليس الأموال المجمدة، بل “رأس المال الاجتماعي” والثقة المفقودة بين الدولة والمواطن، وبين ليبيا والمستثمر العالمي.
تحليل الركائز المقترحة: من النظري إلى التطبيقي العميق
· الإطار الاستراتيجي الموحد (رؤية ليبيا 2035): · التحدي: خطر أن تبقى “وثيقة جميلة” على الرف. دمج الرؤى المحلية (بنغازي 2030، الجنوب 2030) ليس مجرد توحيد، بل هو عملية “تفاوض وتنازل” بين المناطق. يجب أن تُبنى على “ميثاق وطني اقتصادي” يحدد كيفية توزيع الثروة والاستثمارات بشكل عادل لتحقيق التماسك الوطني. · التحول المطلوب: الانتقال من “رؤية مركزية” إلى “منصة إستراتيجية”. أن تكون الإستراتيجية إطارًا مرنًا (Platform) تسمح للمحافظات بتطوير مشاريعها الخاصة (Plug-ins) مع الالتزام بمعايير وطنية موحدة (الحوكمة، الشفافية، الإبلاغ). · تعزيز الحوكمة وإدارة المخاطر: · ما بعد النماذج النظرية: تطبيق “الذكاء المالي” و”نماذج التحليل المالي” لا يعني فقط استخدام تقنيات متطورة، بل يعني تبني “الاستشراف التنبؤي” (Predictive Analytics). استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة لتوقع مسارات الاقتصاد، وتقييم المخاطر الجيوسياسية، واكتشاف أنماط الفساد قبل حدوثها. · الدفاع القائم على القيمية المتأصلة: هذا هو جوهر التحول. لا يكفي أن تكون القيم مكتوبة، بل يجب “تشفيرها” في الأنظمة: · الشفافية: نشر جميع عقود الاستثمار بشكل مفتوح (Open Contracting). · المساءلة: ربط تدفقات الأموال بنتائج ملموسة يمكن للمواطن رصدها (ربط الإنفاق على مستشفى بانخفاض معدل الوفيات في منطقة ما). · العدالة: تصميم آليات تضمن أن تستفيد المناطق المهمشة تاريخيًا (جنوب ليبيا، بعض مناطق الغرب) بشكل واضح وعادل من عوائد الاستثمار. · تمكين القيادات واستشراف المستقبل: · قيادات الصف الثاني: “مشروع النخبة الوطنية”: الفكرة ليست فقط في التدريب، بل في “صناعة نخبة جديدة”. برنامج وطني لاختيار الكفاءات الشابة (تحت 40 عامًا) من جميع المناطق، وإخضاعهم لبرنامج مكثف بالشراكة مع أفضل الجامعات ومراكز الفكر العالمية، مع “تجنيدهم” في مشاريع وطنية حرجة بعد تخرجهم. هذا يحل مشكلة استنزاف الأدمغة ويبني شبكة قيادية موحدة. · استشراف المستقبل: لا يعني فقط توقع الاتجاهات، بل “صناعة المستقبل المفضل”. استخدام منهجيات مثل “السيناريو بلاننج” (Scenario Planning) لتصميم مستقبلات بديلة لليبيا (دولة ريعية، دولة صناعية، دولة لوجستية، دولة تعليمية) والعمل الاستباقي لتحقيق أفضل سيناريو.
الإجراءات والضوابط: هندسة النظام المنيع
· نظام السجل الرقمي الفعال: يجب أن يكون هذا النظام “عمودًا فقريًا رقميًا” (Digital Backbone) يربط جميع الجهات: · ربط البيانات: ربط بيانات المصرف المركزي، والمؤسسة الليبية للاستثمار، والجهاز المركزي للمحاسبات، والجمارك، والضرائب. · العقود الذكية: استخدام تقنية “بلوكتشين” لتسجيل العقود والمعاملات الكبرى، مما يجعلها شفافة ولا رجعة فيها، ويقلل مساحات الفساد. · منصة الاستثمار الموحدة (One-Stop Shop): منصة رقمية واحدة تتيح للمستثمر (المحلي والأجنبي) إنشاء شركة، الحصول على تراخيص، دفع ضرائب، والإبلاغ عن المشاكل، بشكل كامل.
الرؤية التحويلية: من دولة هشة إلى “دولة منصة”
الخريطة النهائية يجب أن تتطلع إلى تحويل ليبيا من دولة مركزية هشة إلى “دولة منصة” (Platform State):
· ليبيا كمنصة لوجستية: الاستثمار في الموانئ والمطارات والطرق لربط أفريقيا بأوروبا. · ليبيا كمنصة طاقة خضراء: الاستثمار في الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية للتصدير، وليس فقط النفط والغاز. · ليبيا كمنصة استثمارية: استخدام جزء من الأرصدة المجمدة والعوائد النفطية لإنشاء “صندوق ثروة سيادي” يصبح هو نفسه مستثمرًا في أفريقيا والعالم، وليس فقط مديرًا للأموال.
الخلاصة: استراتيجية “النجم القطبي”
في ظل عدم الاستقرار الحالي، يجب أن تكون الخريطة الاستثمارية مثل “النجم القطبي” – ليس بالضرورة أن نصل إليه اليوم، لكنه يعطينا اتجاه سير ثابت ومشترك.
· الهدف القصير المدى: ليس تحقيق جميع الأهداف، بل “كسب الثقة”. تحقيق مشروعين أو ثلاثة “كاسحين للثقة” (Quick Wins) في مناطق مختلفة، وإدارتها بشفافية مطلقة، لإثبات جدوى النهج. · الهدف المتوسط: “بناء المنظومة” – النظام الرقمي، أطر الحوكمة، الكفاءات البشرية. · الهدف الطويل: “التحول الاقتصادي” – من اقتصاد الريع إلى اقتصاد الإنتاج والخدمات القائمة على المعرفة.
هذا التحليل يحول الخريطة من قائمة أمنيات إلى خارطة طريق عملية ومتحركة، تعترف بالتحديات ولكنها تقدم إجابات استباقية وعميقة، وتضع ليبيا على مسار التحول من دولة منهكة إلى دولة فاعلة في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.
هناك من يقول لا يجوز تعويم الدينار الليبي لأن الدينار الليبي لا يزال طفلا صغيرًا لا يعرف العوم، وسوف يغرق، وينبغي ترك هذا الطفل الصغير الرضيع في حاله لكي يبقى طفلا رضيعًا لأنه نسى أن يكبر، أما رمي هذا الدينار في الماء والشروع في تعليمه العوم ودفعه وتشجيعه لكي يكبر وينضج مثل البشر الآخرين بطريقة منظمة ومتحكم فيها؛ فإن ذلك يتعارض مع تقاليدنا العريقة في تكرار تجريب المجرب الذي سبق وأن جربناه سبعة آلاف مرة، وأوصلنا إلى الذي نحن فيه، “وزيد الماء وزيد الدقيق”.
هناك فريق آخر يحتج ويقول كيف تعوموا الدينار ونحن ليس لدينا تنوع في الاقتصاد، وهذا يقودنا إلى المعضلة القديمة الشهيرة بخصوص من جاء أولا الدجاجة أم البيضة، فتعويم الدينار حسب هؤلاء السادة يحتاج أولا إلى تنويع الاقتصاد، وتنويع الاقتصاد من غير المتوقع أن يتحقق حتى بعد مليون سنة أخرى في ظل استمرار النمط الديناصوري الحالي الذي يقوم على الاعتمادات الدولارية والأبواب الخلفية وتوريد السلع الاستهلاكية، وتفضلوا للاستمرار في الركض واللهث في الحلقة الفارغة.
للعلم والتذكير، لا توجد عملة في العالم تخضع بشكل مطلق لعوامل العرض والطلب الطبيعية، حتى الدولار الأمريكي الذي يهيمن لوحده على أكثر من 70٪ من التعاملات على مستوى العالم لا يزال يتأثر بسياسات المركزي الأمريكي الذي يسمونه الاحتياطي الفيدرالي،
يقال أنه “لا توجد طهارة بدون دم!”، وبوسع هذا البلد أن يستمر في المحافظة على ديناره الرضيع في مرحلة الرضاعة طالما أن البترودولارات لا تزال متوفرة عن طريق تدفق البترول، وبعد ذلك، بعد أن ينفض سوق البترول، فإن لكل حادث حديث.
وفي المقابل فإن بالإمكان الكف عن عادة تكرار تجريب المجرب والدوران في حلقة البيضة والدجاجة المغلقة، وبالإمكان الشروع في حث ودفع هذا الدينار الليبي الرضيع لكي يكبر ويشب عن الطوق ويتعلم كيف يعوم مثل عملات البشر الأخرى عبر عملية ممنهجة منظمة شفافة ومتحكم فيها، والصيغ والوسائل العلمية والعملية لتحقيق ذلك متاحة ومتوفرة وتطبقها كل يوم الشعوب الواعية التي تعرف كيف تحترم نفسها وتفرض احترامها، والفرصة لا تزال متاحة طالما لا تزال هناك سوق للبترول وبترودولارات، ولكن الوقت ينفذ والفرص تتضاءل، وإذا استمر النمط الحالي فإن الدينار الرضيع قد يتحول إلى كومة من الأوراق عديمة القيمة، وما زيمبابوي وفنزويلا وغيرها من التجارب عنكم ببعيد، والله الهادي.