كشف ملف قضية الحكم القضائي الصادر في مصر ضد الدولة الليبية بتعويض ورثة حنا حبيب كامل بمبلغ 261 مليون دولار عن أراض أممتها الدولة في السبعينات، عن تفاصيل جديدة، حيث قدم محامي الدولة الليبية إلى محكمة النقض المصرية وثائق قانونية جديدة ، وبالرجوع لرأي نيابة النقض المصرية في هذا الشأن، وذلك قبل أقل من شهرين من صدور حكم النقض في هذه القضية التي تشغل الرأي العام الليبي.
وأشارت المذكرة التي قدمها محامي الدولة الليبية، إلى عدم اختصاص المحاكم المصرية دوليا في النظر بالدعاوي، وذلك استنادا إلى مبدأ في القانون الدولي يقر بأن حق الدولة في القضاء بالمنازعات الخاصة بأعمال سيادتها هو حق لصيق بها لا تستطيع دولة أخرى مباشرته.
لكن أصدرت محكمة جنوب القاهرة، حكما بإلزام الدولة الليبية بتعويض نيفين كامل حبيب وورثة نقولا حنا حبيب بمبلغ يقدر بنحو 261 مليون دولار، وذلك خلال شهر أكتوبر من العام الماضي، حيث جرى نقل قيمة التعويض من وديعة المصرف الليبي الخارجي في بنك قناة السويس لصالح حساب نيفين كامل والمختصمين معها.
وترجع أصول تلك القضية إلى ستينات القرن الماضي، حيث امتلكت إحدى العائلات المصرية من أصول فلسطينية، حوالي 200 هكتار بطريق السواني طرابلس، ونظرا لتأميم هذه الأراضي سنة 1970 جرى بموجب القانون رقم 135 لسنة 1970 نقل ملكية بعض الأملاك للدولة الليبية وتعويض أصحابها، فدخلت العائلة منذ الثمانينات في سلسلة قضايا أمام المحاكم المصرية التي كانت تقضي برفض القضية لعدم الإختصاص.
وقال محامي الدولة الليبية في مذكرته إلى محكمة النقض في أبريل الماضي، إن «تلك الأراضي تمت مصادرتها وفق القانون رقم 135 لسنة 1970 الذي أصدرته الدولة الليبية من خلال ممارستها سيادتها على أراضيها، وتنعدم ولاية القضاء في أية دولة أخرى عليه»، مشيرا إلى أن «نزع الملكية لصالح المنفعة العامة مقابل تعويض عادل ليس فعلا ضارا أو غير مشروع، كما أنه وقع في الإقليم الليبي فكيف يمتد أثره إلى الأراضي المصرية».
وطالبت الدولة الليبية، حسب المذكرة المقدمة إلى محكمة النقض، بـوقف تنفيذ حكم التعويض لما قد يحمله من عواقب وخيمة يتعذر تداركها، أقلها استحالة استرداد المبلغ المحكوم به من عائلة حنا، لصرفه على أغراضهم أو تحويله خارج البلاد»، لافتة إلى أن «الجهات المحجوز عليها تستثمره داخل مصر وتدفع عن إدارته ضرائب للحكومة المصرية».
ويشار أن التطور البارز هو قبول نيابة النقض المصرية طعن الحكومة الليبية، بل وأقرت وفق مذكرة قضائية عدم اختصاص القضاء الوطني المصري ولائيا النظر في النزاع، نظرا لتمتع أعمال السيادة التي تصدر عن الحكومة الليبية بالحصانة القضائية»، مشيرة إلى أنه على المحكمة أن تقضي بعدم الإختصاص من تلقاء نفسها ما لم تتنازل الدولة عن تلك الحصانة فتقبل ولاية قضاء دولة أخرى»، ونبهت إلى أن «اتفاقية التكامل بين ليبيا ومصر والسودان خلت مما يفيد إقرار أطرافها بالتنازل عن الحصانة القضائية المقررة لكل منهم».
و اللافت أيضا، وفق وثائق ومحاضر قضائية، أن تلك العائلة طرقت أبواب المحاكم المصرية شمالا وجنوبا منذ عام 1980 بحثا عن تعويض عن أراض باعت جزءا منها قبل تأميمها في العام 1970، وقفز مبلغ التعويض من 26 مليون دولار إلى 261 مليون دولار.
وحسب وثائق قانونية، قضت محكمة استئناف أسيوط في العام 1982 بإلغاء حكم بتعويض عائلة حنا بمبلغ 26 مليون دولار من أصول الدولة الليبية، لعدم اختصاص القضاء المصري بنظر الدعوى، استنادا إلى أن الدولة الليبية تتمتع بالحصانة القضائية في مواجهة الولاية القضائية للدولة المصرية، وفقا لمبادئ القانون الدولي العام، وهو ما تكرر أيضا أمام محكمة النقض المصرية في العام 1986 التي أقرت بالأمر نفسه.
نجحت عائلة حنا في استصدار حكم بتعويض يقدر بـ19 مليون دولار في محكمة مصر الجديدة سنة 1992، لكن محكمة شمال القاهرة ألغت الحكم ورفضت الحجز على أموال الدولة الليبية لعدم الإختصاص، وهو ما أقرته محكمة استئناف القاهرة أيضا.
فيما صدر حكم قضائي من محكمة في القاهرة في 2019 يقضي بتعويض عائلة حنا بمبلغ 261 مليون دولار، وتم الحجز على أموال الدولة الليبية، وتجنيب مبلغ التعويض من أرصدة الإستثمارات الليبية ببنك قناة السويس، وهو حكم الذي أيدته محكمة استئناف القاهرة، لتصبح الكلمة الأخيرة لمحكمة النقض المصرية في أغسطس المقبل.
ويؤكد مصدر من إدارة القضايا في الدولة الليبية أن التعويض حق مشروع، موضحا أن الدولة الليبية لن تمتنع عن دفع التعويضات العادلة لكن شريطة أن تكون بحكم قضائي صادر عن المحاكم الليبية صاحبة الولاية القانونية في هذا الشأن، وجاء هذا التصريح بالتزامن مع زيارة يجريها مندوبون عن إدارة قضايا الدولة إلى مصر لبحث التفاصيل والدفوعات القانونية المقرر تقديمها إلى محكمة النقض المصرية، في جلسة السابع والعشرين من أغسطس المقبل.
وسيتحول وفد ليبي رفيع المستوى إلى القاهرة الأسبوع المقبل لإجراء لقاءات مع مسؤولين مصريين، ويضم الوفد رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ووزير العدل المفوض بحكومة الوفاق، ورئيس إدارة القضايا، والقائم بأعمال النائب العام، ومندوبين عن ديوان المحاسبة، والمصرف المركزي.
ومن المنتظر أن يتصل الموفدون بكافة الجهات ذات العلاقة في مصر لاستبيان ملابسات صدور الحكم وإجراءات تنفيذه، وذلك وفقا لقرار صادر عن المجلس الأعلى للقضاء، حيث من المنتظر أن يتم الاتصال بعدة جهات قضائية، وهي المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل ومحافظ البنك المركزي والمصرف العربي الدولي وبنك قناة السويس، على أن يتم تقديم تقرير عن سبل تلافي آثار الحكم على الأموال الليبية.
الشئ الذي أظهر مخاوف من فتح هذه القضية لشهية الكثيرين في بعض الدول نحو خطوة مماثلة، إذ أن هناك ضغوطا متزايدة لإستخدام الضرائب المتراكمة على الأصول الليبية في المملكة المتحدة لصالح ضحايا الجيش الجمهوري الإيرلندي، وهو الأمر الذي قد يدفع نحو استنزاف مقنن للأموال الليبية في ساحات القضاء الأجنبي.