كتب: رجل الأعمال “حسني بي”
شهدت ليبيا خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2024 ارتفاعاً كبيراً في كميات استهلاك المحروقات المكررة محلياً والمستوردة، كما عرفت الفترة ذاتها استنزافاً مالياً متواصلاً نتيجة سياسة الدعم الشامل، التي جعلت أسعار الوقود في ليبيا من الأدنى عالمياً، بما لا يتجاوز 3 سنتات أمريكية للتر.
وفي الوقت ذاته أكدت تقارير محلية ودولية وجود تحديات كبيرة تتعلق بالتهريب والسرقات والهدر وسوء الاستعمال، وهو ما انعكس بشكل مباشر على تضخم الاستهلاك وارتفاع التكلفة على خزينة الدولة.
أولاً: تطور الكميات بين 2018 و2024
ارتفع إجمالي كميات المحروقات في ليبيا من 9.33 مليون طن عام 2018 إلى 14.16 مليون طن عام 2024، بنسبة زيادة فاقت 51% خلال سبع سنوات.
كما بلغ مجموع كميات الفترة كاملة (2018–2024):
75.3 مليون طن، منها:
60.2 مليون طن مستورد
15.06 مليون طن إنتاج محلي
ثانياً: الكميات بين عامي 2022 و2024 – ارتفاع واضح
ارتفعت كميات المحروقات المتداولة كما يلي:
عام 2022: نحو 11.47 مليون طن
عام 2024: نحو 14.16 مليون طن
وبذلك تكون نسبة الارتفاع في الكميات بين 2022 و2024:
ارتفاع بنسبة تقارب 23.4%
(= (14.16 – 11.47) ÷ 11.47 × 100)
وهو ارتفاع كبير في ظرف سنتين فقط.
ثالثاً: لماذا انخفضت القيمة المالية بواقع 3 مليارات دولار رغم ارتفاع الكميات؟
قدّرت المؤسسة الوطنية للنفط القيمة المالية لاستهلاك المحروقات بما يلي:
عام 2022: نحو 17 مليار دولار
عام 2024: نحو 14 مليار دولار
ورغم ارتفاع الكميات بنسبة 23.4% بين 2022 و2024، فقد انخفضت القيمة المالية بنحو 3 مليارات دولار.
ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى:
انخفاض أسعار النفط ومشتقاته عالمياً بما يقارب 35% خلال الفترة 2022–2024.
هذا الانخفاض الكبير في الأسعار الدولية هو العامل الرئيس في تراجع القيمة المالية، وليس انخفاض الاستهلاك—فالكميات في الحقيقة ارتفعت بشكل ملحوظ خلال الفترة نفسها.
رابعاً: تأثير السياسة السعرية للدعم
أسعار الوقود في ليبيا الأقل عالمياً تقريباً (أقل من 0.03 دولار للتر)، الأمر الذي أدى إلى:
استهلاك محلي مرتفع يفوق الاحتياج الفعلي
تهريب واسع النطاق عبر الحدود
سرقات وإعادة بيع في السوق السوداء
هدر وسوء استخدام
استفادة غير عادلة لغير المستحقين على حساب المالية العامة
وتشير تقارير دولية إلى أن جزءاً كبيراً من المحروقات المدعومة يخرج من دورة الاستهلاك الشرعي.
خامساً: تحديات ومخاطر الوضع الحالي:
- تضخم هائل في الاستهلاك لا يعكس الطلب الحقيقي.
- دعم يصل إلى غير المستحقين بنسبة كبيرة.
- خسائر مالية سنوية تتجاوز عشرات المليارات.
- عجز مستمر عن تطوير قدرات الإنتاج المحلي.
- هيمنة التهريب على جزء من حركة الوقود المدعوم.
سادساً: الحل الأمثل – سياسة الاستبدال النقدي للدعم
تؤكد البيانات والتحليلات الاقتصادية أن التحول إلى الدعم النقدي المباشر هو المسار الأكثر عدالة وكفاءة.
آلية مقترحة للتحول التدريجي:
- السنتان الأولى والثانية:
صرف دعم نقدي لكل المواطنين بلا استثناء.
تمكينهم من حرية تحديد أولويات الإنفاق.
تثبيت الأسعار نسبياً لتفادي التضخم المفاجئ. - ما بعد السنة الثالثة:
تحديد الفئات المقتدرة وإيقاف الدعم النقدي عنها.
وضع معايير دخل واضحة ومعتمدة حكومياً. - بحلول السنة الخامسة:
إنهاء الدعم الشامل نهائياً.
تحويل الدعم إلى سلة حماية اجتماعية مستهدفة للمستحقين الفعليين فقط.
سابعاً: إيجابيات وسلبيات الاستبدال النقدي للدعم:
الإيجابيات:
القضاء على التهريب والسرقات إلى حد كبير
عدالة أكبر في الاستفادة
تخفيض العبء المالي على الدولة
تعزيز القوة الشرائية للمواطن
تحرير تدريجي للسوق وفق أسس اقتصادية
استدامة مالية وحوكمة أفضل للقطاع
السلبيات والتحديات
الحاجة إلى قاعدة بيانات دقيقة للدخول والفئات
ضرورة رقابة قوية وشفافة
احتمالية تضخم مؤقت خلال الفترة الانتقالية لا تتعدى 5%
الخلاصة
إن الانخفاض في قيمة استهلاك المحروقات بين عامي 2022 و2024 يعود أساساً إلى انخفاض أسعار النفط عالمياً بنسبة 35%، في وقت ارتفعت فيه الكميات المستهلكة محلياً بنسبة 23.4%، ما يدل على استمرار الاستهلاك المفرط نتيجة تشوهات سياسة الدعم الحالية.
ومع كون ليبيا تخسر سنوياً مليارات الدولارات في دعم يستفيد منه المهربون وغير المستحقين، يصبح الاستبدال النقدي للدعم هو الحل الأكثر فاعلية، شريطة تطبيقه تدريجياً مع ضمان حماية الفئات الضعيفة خلال فترة انتقال تمتد لخمس سنوات.