نيويورك تايمز تنشر تصريحات لـ “سيف الإسلام القذافي” وطموحاته للعودة لحكم ليبيا ونظرته للأحداث في العشر سنوات الأخيرة
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مقالا مطولا للكاتب “روبرت وورث” أكد فيه إجراء مقابلة في مايو الماضي مع “سيف الإسلام القذافي” بمدينة الزنتان، وصف فيها سنواته المأساوية في الأسر ولمّح الى احتمال الترشح للانتخابات ليصبح الرئيس القادم لليبيا.
ونقلا عن الصحيفة الأمريكية فقد قال “سيف الإسلام القذافي” إنه رجلٌ حرٌّ ويرتّب لعودته إلى الساحة السياسية، موضحًا بأن المقاتلين الذين اعتقلوه قبل عشر سنوات قد تحرّروا من “وهْم الثورة” وأدركوا أنه قد يكون حليفًا قويًّا لهم، واصفا تحوّله من أسير إلى أمير منتظر بالقول: “هل لك أن تتخيل؟ الرجال الذين كانوا حرّاسي هم الآن أصدقائي”.
ورغم كونه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية على خلفية ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بسبب دوره في قمع الثورة عام 2011 وقد حُوكم في دعوى قضائية أخرى في طرابلس عام 2015، حيث ظهر على شاشة فيديو خلف القضبان في مدينة الزنتان وانتهت المحاكمة بإدانته والحكم عليه بالإعدام رميًا بالرصاص، إلا أن “سيف الإسلام” أكد بأنه واثق من قدرته على تخطي تلك المسائل القانونية إذا اختارته أغلبية الشعب الليبي ليكون قائدًا لهم.
“سيف الإسلام” يتحدث عن أحداث عام 2011
وبحسب “نيويورك تايمز” قال “سيف الإسلام”: حذّرتُ الجميع بضرورة الإسراع في مشاريع الإسكان وفي الإصلاحات الاقتصادية، لأنه لا أحد يعرف ما الذي سيحدث في المستقبل ولإجهاض أي “مؤامرة ضد ليبيا”، مضيفا بأنه ذهب إلى بنغازي للتأكيد على ضرورة الإسراع في الإصلاح إلا أن عناصر عدّة داخل الحكومة كانت تعمل جاهدةً ضده، بحسب تعبيره.
وفي 20 فبراير من عام 2011 أعلنت وسائل الإعلام الحكومية الليبية أن “سيف الإسلام” سيلقي خطابًا تلفزيونيًّا والبعض توقّعوا آنذاك أن يعلن “سيف الإسلام” تنحي أبيه إيذانًا ببدء عهد جديد من الإصلاحات الليبرالية لكنه جاء عكس ذلك، وقال “سيف الإسلام” عن ذاك الخطاب أنه ألقاه بعد وقت قصير من زيارة أبيه وهو فخور بخطابه قائلا إن أغلب ما تنبّأ به قد تحقق بالفعل.
وأضاف “سيف الإسلام” أن العالم بأسره يقف مع المعارضين لنظام القذافي ولم يكونوا بحاجة للتوصل إلى تسوية، مؤكدا بأن وسائل الإعلام العربية شيطنت نظام القذافي إلى درجة جعلت من المستحيل إقامة حوار بين الجانبين، وتابع قائلا: “هم عقدوا العزم على تدمير الدولة وأي مجتمع قبلي مثل ليبيا يضيع بدون دولة، وما حدث في ليبيا لم يكن ثورة، يمكنك أن تسميها حربًا أهلية أو أيام شؤم لكنها لم تكن ثورة”.
ووصف “سيف الإسلام” بحسب الصحيفة الأمريكية ربيع وصيف 2011 بمسلسل من الأزمات السريالية، حيث كان في البداية يزور أبيه كل يوم تقريبًا في خيمة منصوبة بباب العزيزية وكان يلتقي بين الحين والحين ببعض العاملين في الصحف الأجنبية، وكانت تصله اتصالات هاتفية من زعماء أجانب كانوا يعتبرونه وسيطًا بينهم وبين أبيه.
وأشار إلى أن أحد المتصلين المعتادين به كان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الذي قال عنه بأنه “في البداية كان في صفّنا ضد التدخل الغربي، ثم بدأ يقنعني بمغادرة البلاد”، مضيفا بأن “أردوغان” وصف الانتفاضات بأنها مؤامرة خارجية تُحاك منذ زمن بعيد.
وقال الصحيفة إن “سيف الإسلام” يرى أن حرب 2011 انبثقت عن التقاء توترات داخلية كانت تعتمل منذ وقت طويل مع أطراف خارجية انتهازية، من بينهم الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزي”، مضيفا بأن هناك “عدّة أمور كانت تحدث في آن واحد أي زوبعة عارمة”.
“سيف” يشرح قصة خروجه من السجن
وقال “سيف الإسلام” إنه لم يكن على اتصال بالعالم الخارجي خلال السنوات الأولى من اعتقاله، وأنه قضى بعض هذه الفترة في مكان أشبه بالكهف، وهي غرفة تحت الأرض شُقّت وسط الصحراء أسفل منزل في مدينة الزنتان ولم يكن بالغرفة أي نوافذ، ولم يكن يميّز الليل عن النهار أغلب الوقت، وكان وحيدًا تمامًا، وأدرك أنه قد يموت في أي لحظة.
وذات يوم في مطلع عام 2014، تلقى زيارةً غيرت مجرى حياته، حيث اندفع رجلان من كتيبة بمدينة الزنتان إلى غرفته الصغيرة وبدا عليهما الغضب والانزعاج وتحدثا معه عن تعرض ابن أحدهما لإصابة بطلقة في رأسه أثناء تبادل إطلاق النار مع كتيبة منافسة من مدينة مصراتة، وأعربت له عن شعورهما بالحسرة، ولم يكن هذا الشعور نابعًا من خسارتهما الشخصية فحسب، وأخذا يسبّان الثورة ويقولان إنها كانت غلطة وإن سيف الإسلام وأباه كانا محقّين.
وقال “سيف” بأنه ظل يستمع إليهما وهو يشعر بأن شيئًا ما يتغيّر، وبأن الثورة بدأت تلتهم أبناءها، وفي النهاية سيشعر الليبيون بإحباط شديد لدرجة أنهم سينظرون إلى الماضي ويشعرون بالحنين إلى عهد القذافي، وعلق الكاتب بأن هذا ما قد يهيئ لـ “سيف الإسلام” الفرصة ليستعيد كل ما فقده.
“سيف الإسلام” ورؤيته للأحداث ما بعد الثورة
وتحدث “سيف الإسلام” في حديثه لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن الذين تقلدوا الحكم بعد 2011 ومن أيدهم من دول أجنبية بأنهم “اغتصبوا بلادنا وأذلّوها، ليس لدينا مالٌ ولا أمنٌ ولا حياة، إذا ذهبتَ إلى محطة الوقود، فلن تجد وقودًا، نحن نصدّر النفط والغاز إلى إيطاليا ونضيء نصف إيطاليا بينما نعاني نحن من انقطاع الكهرباء .. ما يحدث تخطّى حدود الفشل .. إنه مهزلة.
وأضاف قائلا: إن ليبيا أنفقت على مدار العقد الأخير مليارات الدولارات دون بناء مشروع واحد، ودون وضع حجر بناء واحد، وأن تلك الأموال ذهبت إلى المتربحين الذين يمولون ويدعمون الميليشيات الصغيرة حتى يضمنوا استمرارية هذه اللعبة، وفق قوله.
كما تحدث عن غياب مفهوم الدولة في ليبيا منذ عام 2011، حيث قال إن الحكومات المختلفة التي حكمت البلاد منذ ذلك الحين لم تكن سوى مجموعة من المسلّحين يرتدون البدلات الذين ليس من مصلحتهم أن تكون لدينا حكومة قوية، ولذا فهم يخشون الانتخابات ويعارضون فكرة وجود رئيس ودولة وحكومة ذات شرعية مستمدة من الشعب.
“سيف” وتعمد الاختفاء لإحياء شعبيته
الكاتب بالصحيفة الأمريكية قال إن “سيف الإسلام” يدرك أن اختفاءه هو السبيل لإحياء شعبيته، وهو حريصٌ أشد الحرص على الاحتفاظ بهالة من الغموض حوله، “حتى إنني عندما التقيتُه في الزنتان كان مترددًا بشأن السماح لنا بتصويره” بحسب قول الكاتب، مضيفا بأن “سيف الإسلام” وافق في بداية الأمر على التقاط صور جانبية، لكنه أخذ يشيح بوجهه عن الكاميرا وأصرّ على تغطية جزء من وجهه باستخدام وشاح، رغم أن مصور الصحيفة حاول إقناعه بأن الصورة الأمامية ستجعله يبدو أكثر ثقةً لكن محاولاته لم تفلح.
ونقل الكاتب عن “سيف” قوله إنه “يريد لهذه الصور أن تعطي انطباعًا بأن هذا هو الرجل، لكن ليس واضحًا مثل الشبح، ليس عليلًا؛ بل قوي، لكنه ليس واضحًا، لقد قضيتُ عشر سنوات بعيدًا عن أنظار الليبيين، وعليك أن تعود إليهم خطوةً خطوة، مثل راقصة تعرٍّ”، قالها ضاحكًا ثم أضاف: “عليك أن تلعب بعقولهم قليلًا”.
وردّا عن سؤال ما إذا كان يتعاطف بأي شكل مع المشاعر التي دفعت المتظاهرين للمطالبة بالتغيير عام 2011، كان ردّ “سيف” قاطعًا: “هؤلاء كانوا أشرارًا وإرهابيين وشياطين”، وعن رأيه في ثورات الربيع العربي قال دون لحظة تردّد واحدة: “العرب الحمقى دمّروا بلدانهم”.
“سيف الإسلام” ونظرته لحكم والده
وقال “سيف الإسلام” إنه لا يحمل أي انتقادات لعهد والده الذي استمر 40 عامًا، مشيرًا إلى أن بعض السياسات الاشتراكية في الثمانينات ربما تكون قد خرجت عن مسارها، لكن والده أدرك ذلك وصحّح الوضع.
وعن الكتاب الأخضر قال “سيف” بأنه كتاب تناول أمورًا أصبح الجميع يعرفونها اليوم، مضيفًا أن مختلف الأفكار التي اكتسبت رواجًا في الغرب مثل الاستفتاءات العامة وخطط تملّك الموظفين للأسهم ومخاطر الملاكمة والمصارعة تعود أصولها إلى الكتاب الأخضر.
أما عن أحداث “مجزرة أبوسليم” والتي قتل فيها أكثر من 1200 شخص؛ قال أكد “سيف الإسلام” بأن معظم الليبيين يعتقدون أن النظام كان متساهلًا جدًّا وأنه كان ينبغي قتل جميع السجناء في سجن أبو سليم، مضيفا بالقول: “اذهب إلى بنغازي واسأل أي شخص، سوف يقولون لك إنهم لم يُنهوا المهمة”، واستطرد قائلا: “كان هناك استخدام مفرط للقوة لكن جميع ضحايا أبو سليم كانوا إرهابيين إسلاميين، ولقد شاهد الناس ما فعلوه في السنوات العشر الأخيرة”.
وفي نهاية اللقاء ردّ “سيف” على سؤال إن كان قد وجد غرابةً في الاحتماء بمنازل مؤيدي القذافي بعد فراره من طرابلس عام 2011 رغم أن هؤلاء الناس كانوا لا يرونه إلا نادرًا، وفجأةً أتاهم لاجئًا، هل غيرتْ هذه التجربة نظرته؟ قائلا: “نحن نشبه السمك والشعب الليبي يشبه البحر، من دونهم نموت، فهنا نحصل على الدعم وهنا نختبئ وهنا نقاتل، نحن نحصل على الدعم من هذا المكان، والشعب الليبي هو البحرُ لنا”.