كتب: الخبير الاقتصادي “عبد الحكيم الثليب”
هناك من يقول لا يجوز تعويم الدينار الليبي لأن الدينار الليبي لا يزال طفلا صغيرًا لا يعرف العوم، وسوف يغرق، وينبغي ترك هذا الطفل الصغير الرضيع في حاله لكي يبقى طفلا رضيعًا لأنه نسى أن يكبر، أما رمي هذا الدينار في الماء والشروع في تعليمه العوم ودفعه وتشجيعه لكي يكبر وينضج مثل البشر الآخرين بطريقة منظمة ومتحكم فيها؛ فإن ذلك يتعارض مع تقاليدنا العريقة في تكرار تجريب المجرب الذي سبق وأن جربناه سبعة آلاف مرة، وأوصلنا إلى الذي نحن فيه، “وزيد الماء وزيد الدقيق”.
هناك فريق آخر يحتج ويقول كيف تعوموا الدينار ونحن ليس لدينا تنوع في الاقتصاد، وهذا يقودنا إلى المعضلة القديمة الشهيرة بخصوص من جاء أولا الدجاجة أم البيضة، فتعويم الدينار حسب هؤلاء السادة يحتاج أولا إلى تنويع الاقتصاد، وتنويع الاقتصاد من غير المتوقع أن يتحقق حتى بعد مليون سنة أخرى في ظل استمرار النمط الديناصوري الحالي الذي يقوم على الاعتمادات الدولارية والأبواب الخلفية وتوريد السلع الاستهلاكية، وتفضلوا للاستمرار في الركض واللهث في الحلقة الفارغة.
للعلم والتذكير، لا توجد عملة في العالم تخضع بشكل مطلق لعوامل العرض والطلب الطبيعية، حتى الدولار الأمريكي الذي يهيمن لوحده على أكثر من 70٪ من التعاملات على مستوى العالم لا يزال يتأثر بسياسات المركزي الأمريكي الذي يسمونه الاحتياطي الفيدرالي،
يقال أنه “لا توجد طهارة بدون دم!”، وبوسع هذا البلد أن يستمر في المحافظة على ديناره الرضيع في مرحلة الرضاعة طالما أن البترودولارات لا تزال متوفرة عن طريق تدفق البترول، وبعد ذلك، بعد أن ينفض سوق البترول، فإن لكل حادث حديث.
وفي المقابل فإن بالإمكان الكف عن عادة تكرار تجريب المجرب والدوران في حلقة البيضة والدجاجة المغلقة، وبالإمكان الشروع في حث ودفع هذا الدينار الليبي الرضيع لكي يكبر ويشب عن الطوق ويتعلم كيف يعوم مثل عملات البشر الأخرى عبر عملية ممنهجة منظمة شفافة ومتحكم فيها، والصيغ والوسائل العلمية والعملية لتحقيق ذلك متاحة ومتوفرة وتطبقها كل يوم الشعوب الواعية التي تعرف كيف تحترم نفسها وتفرض احترامها، والفرصة لا تزال متاحة طالما لا تزال هناك سوق للبترول وبترودولارات، ولكن الوقت ينفذ والفرص تتضاءل، وإذا استمر النمط الحالي فإن الدينار الرضيع قد يتحول إلى كومة من الأوراق عديمة القيمة، وما زيمبابوي وفنزويلا وغيرها من التجارب عنكم ببعيد، والله الهادي.