كتب: أ.د. عمر عثمان زرموح – أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية
بناءً على ما ورد بتقرير ديوان المحاسبة عن الإيرادات والمصروفات خلال 11 سنة (2012-2022) يمكن عرض الأرقام الآتية والقيمة بالمليار دينار ليبي (م.د.ل.):
الإيرادات 622
المصروفات 656
الفائض (العجز) (34)
أي أن هناك عجزاً في الموازنة العامة للدولة خلال السنوات المذكورة قدره 34 م.د.ل. بمتوسط سنوي 3.1 م.د.ل. وبذلك يمكن القول أن هذا العجز (34 م.د.ل.) يمثل مجموع أو محصلة النقص المتراكم في أرصدة الخزانة العامة للدولة طيلة 11 سنة.
وقد يتساءل البعض هل يعتبر هذا العجز (34 م.د.ل.) ديناً عاماً يضاف إلى رصيد الدين العام للدولة؟ في رأيي أن الدين العام ليس هو أي إنفاق تقوم به السلطة التنفيذية بل هو الإنفاق الذي يكون في حدود المخصصات المعتمدة بقانون اعتماد الموازنة العامة للدولة (أو ما يحل محلها كما في حالة الترتيبات المالية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي والتي طبقتها حكومة الوفاق خلال السنوات 2017-2020)، أما الإنفاق بالتجاوز فلا أعتبره ديناً عاماً إلا بعد اعتماده من الجهة التي اعتمدت المخصصات. كذلك يعد ديناً عاماً المبالغ التي تقترضها الحكومة من المصرف المركزي أو من غيره بسبب عجز الإيرادات إذا كانت الجهة التي اعتمدت الموازنة قد نصت مسبقاً على الإذن أو السماح بمثل هذا الاقتراض وكانت النفقات في حدود المخصصات المعتمدة.
وأخذاً في الحسبان النقطتين السابقتين فإنه في تقديري أن حجم العجز ليس كبيراً فهو لم يتجاوز 5.2% من إجمالي المصروفات ولاسيما إذا نظرنا إلى الظروف الصعبة التي مرت على البلد خلال هذه السنوات من حروب وأزمات اقتصادية وانقسامات سياسية، ذلك أن مثل تلك الظروف قد تقود إلى ما هو أسوأ.
ونقطة الضعف في هذا البيان هي أن هذه النفقات لا تشمل، كما ورد في تقرير الديوان، نفقات المنطقة الشرقية وبالتالي يصبح من المتوقع أن يكون العجز أكبر من 34 م.د.ل.
يمكن عرض الأرقام السنوية للإيرادات والمصروفات وكذلك الفائض أو العجز كما في الجدول الآتي (القيمة بالمليار دينار):
ومن هذا الجدول يمكن ملاحظة وجود شبه علاقة بين الإيرادات والمصروفات من جهة، والأزمات السياسية التي مرت بالبلد، من جهة أخرى يمكن تفسيرها باختصار كالآتي:
- (1) سنة 2012:
كان الوضع في سنة 2012 أقرب إلى أن يكون طبيعياً فبالرغم من وجود إيرادات كبيرة بلغت 70 م.د.ل. إلا أن النفقات كانت في حدود 49 م.د.ل. مما ترك فائضاً قدره 21 م.د.ل. وهذا يرجع لسببين: الانسياب العادي للصادرات النفطية مع رشد الحكومة في الإنفاق.
- (2) سنة 2013
شهدت سنة 2013 إغلاقاً للنفط بشكل كبير أدى إلى تأثير سلبي على مستوى الإيرادات وفي نفس الوقت شهدت نفقات أكبر من السنة السابقة لها بلغت لأول مرة 65 م.د.ل. فنتج عن ذلك عجز في الموازنة قدره 10 م.د.ل.
- (3) سنة 2014:
يمكن وصف سنة 2014 بأنها سنة بدء العواصف السياسية والحروب الخارجة عن نطاق الدولة وبدء الأزمات الاقتصادية المؤثرة وما نجم عن كل ذلك من انخفاض في الإيرادات إلى 22 م.د.ل. بينما لم تنخفض النفقات بدرجة موازية مما أنتج عجزاً بلغ 22 م.د.ل. وقد نتج عن الانخفاض المتواصل في إيرادات الموازنة التي يوازيها انخفاض متواصل في حصيلة النقد الأجنبي أن حاول المصرف المركزي بشكل غير مباشر في ذلك الوقت تقييد الاعتمادات المستندية والتحويلات والنتيجة هي ظهور السوق السوداء للنقد الأجنبي التي استمرت نحو سبع سنوات (2014-2020).
- (4) سنة 2015:
في أجانب الموازنة العامة للدولة فقد بدأ التصدع المالي في هذه السنة 2015 حيث اعتمدت فيها، فيما أعلم، موازنتان إحداهما اعتمدها المؤتمر والأخرى مجلس النواب وبالتالي يمكن القول أنه لا توجد موازنة واضحة للدولة ويرجع ذلك، في تقديري، إلى عدم انتقال السلطة سلمياً من المؤتمر إلى المجلس في أغسطس عام 2014، وقد انتشر في ذلك الوقت أن المصرف المركزي حاول أن يتخذ طريقاً وسطاً بحجة الحيادية، فإذا به ـ وهذا تفسيري لما قام به ـ يأتي بموازنة ثالثة وهو ليس سلطة تشريعية كما نعلم. وفي سنة 2015 استمرت الحرب وخاصة في بنغازي وتفاقمت مشكلة إغلاق النفط والمحصلة هي كما نرى هبوط الإيرادات إلى 11 م.د.ل. وارتفاع العجز إلى أقصاه في تلك السنة مقارنة بالسنوات المذكورة في الجدول حيث وصل العجز إلى 25 م.د.ل.
- (5) سنة 2016:
ربما لأول مرة في تاريخ ليبيا نسجل عدم اعتماد أي موازنة عامة للدولة في سنة 2016 بشكل ملفت دون أدنى مسئولية، وكأن الموازنة شيء ثانوي واختياري من وجهة نظر ما يسمى بمجلس النواب في ذلك الوقت. لقد حصل ذلك مع استمرار أزمة إغلاقات النفط حيث نزلت إيرادات النفط إلى أدناها (9 م.د.ل.) واستمر العجز كبيراً حيث وصل إلى 21 م.د.ل. وبلغ معدل التضخم في هذه السنة 2016 أقصاه (26%) خلال السنوات المذكورة في الجدول وهذا الرقم مثبت رسمياً في النشرة الاقتصادية لمصرف ليبيا المركزي، والمحصلة هي أن زادت حدة الخناق على الشعب لغاية سياسية نعلمها جيداً. إن العبث بأموال الشعب ومقدراته لم يقف عند عدم اعتماد موازنة فقط أو إغلاق النفط المصدر الوحيد لقوت الليبيين، فقط، بل تعدى ذلك إلى الجرأة على طباعة أوراق نقدية في روسياً بالمليارات في روسياً لم تسجل في دفاتر إدارة الإصدار بمصرف ليبيا المركزي حتى تاريخ كتابة هذه السطور. إن هذه الأزمة الاقتصادية لم تكن خارجة عن إرادة الجميع بل كانت مصطنعة متعمدة بفعل فاعلين معروفين بالاسم وبدعم دول عدوة لا تريد للشعب الليبي أن ينعم بأي درجة من الرافاه الاقتصادي إلا أن يكون تحت أقدامهم.
- (6) سنة 2017:
ظاهرياً يمكن القول أن حدة الأزمة قد نقصت نسبياً في عام 2017 وإن كان معدل التضخم استمر عند نفس مستوى السنة السابقة (26%). حدة الأزمة نقصت من جانب إغلاقات النفط لكنها ظلت مؤثرة فمازالت الإيرادات منخفضة نسبياً والنتيجة هي هبوط العجز إلى 10 م.د.ل.
- (7) سنة 2018:
شهدت سنة 2018 في أواخرها صدور قرار المجلس الرئاسي بشأن فرض رسوم على سعر الصرف بنسبة 183% مما خفف من حدة تفاقم السوق السوداء وفي تلك السنة شهدت إيرادات النفط انتعاشاً ملموساً حيث ظننا أن أزمة إغلاقات النفط قد انتهت. لذلك يمكن القول أن سنة 2018 قد انتعشت فيها كل من الإيرادات والنفقات وظهر لأول مرة منذ سنة 2012 فائض قدره 8 م.د.ل. وهو حتى وإن كان ضئيلاً إلا أنه لا شك كان أفضل من العجز.
- (8) سنة 2019:
لقد استمرت إيرادات الموازنة في سنة 2019 في الانتعاش حيث وصلت 60 م.د.ل. وارتفع الفائض إلى 13 م.د.ل. بل والجدير بالذكر أن سنة 2019 حققت لأول مرة معدل تضخم بالسالب (-2.2%) نتيجة لقرار فرض الرسوم على النفد الأجنبي. كل ذلك كان جيداً في سنة 2019 إلا أنها، من جهة أخرى، فقد شهدت تصعيداً في الازمة السياسية والعسكرية بعملية غزو طرابلس في 4/4 ومع ذلك أصر المجلس الرئاسي على الاستمرار في سياسة فرض الرسوم على سعر الصرف وتخفيضها تدريجياً حيث صدر قرار بتخفيض النسبة من 183% إلى 163% في 30/07/2019 وكان ذلك كومضة في العتمة تدعو إلى التفاؤل بصرف النظر عن مشكلة التكييف القانوني لمثل هذا القرار الذي طالما تحفظت عليه أنشد المثالية.
- (9) سنة 2020:
كما ذكرت سابقاً فقد ظننا أن أزمة إغلاقات النفط قد قد انتهت منذ عام 2018 لكن الواقع خيب هذا الظن فلم تنته الأزمة إذ لم نكد ندخل في سنة 2020 إلا وقد عادت مشكلة إغلاق النفط في 18 يناير، وإذا بالمصرف المركزي يقوم بردة فعل، في تقديري كانت ردة فعل غير موفقة، حيث فرض مزيداً من القيود على النقد الأجنبي فانهار نظام احتواء السوق السوداء بتخفيض الرسوم تدريجياً. وقد انعكس ذلك على الإيرادات فانخفضت من 60 م.د.ل. عام 2019 إلى 25 م.د.ل. عام 2020 والنتيجة عودة إلى عجز الموازنة كما هو مبين في الجدول. لقد شهدت سنة 2020 عجزاً في الموازنة العامة للدولة التي يعلم الجميع أنها معتمدة أساساً على إيرادات النفط رغم ارتفاع أسعار النفط عالمياً بسب حرب أوكرانيا فاستفاد من ذلك من استفاد وخسر من خسر ومن بين الخاسرين ليبيا بسبب إصرار بعض أطراف الصراع على إغلاق النفط بطريقة ((علي وعلى أعدائي)) التي لا تحتوي على ذرة واحدة من حب الوطن أو احترام القانون أو الخوف من الشعب أو من التاريخ فكل ذلك لا وجود له في المعادلة الليبية. وتجدر الإشارة إلى أن أهم القرارات التي صدرت عام 2020 في الجانب الاقتصادي هو قرار تعديل سعر الصرف في 16 ديسمبر بتخفيض قيمة الدينار بوحدات حقوق السحب الخاصة من 0.5175 إلى 0.1555 أي بنسبة 70% (مما رفع سعر صرف الدولار من نحو 1.40 د.ل. إلى نحو 4.50 د.ل.). وفي رأيي فقد كان هذا القرار ضربة قوية للدينار الليبي بما يمثله من هبوط في القيمة الشرائية للدخول والثروات النقدية بذات النسبة 70% وهزة اقتصادية للاقتصاد لها أبعادها، ذلك أن هدف القضاء على السوق السوداء وإن كان هدفاً يعد محل اتفاق إلا أن طريقة بلوغه ليست هكذا بل إن طريقة المجلس الرئاسي كانت أوفق لاتسامها بالتدرج المريح لكل المتعاملين. ولا شك في أن هناك من يرى غير ذلك على أساس أن قيمة الدخول والثروات مقيسة بأسعار الظل لم تنخفض لكن يرد على ذلك في أن كل واردات الدولة وتعاملاتها قائمة على السعر الرسمي وليس على أسعار الظل، وأن المشكلة في مثل هذا القرار إنما تنجم عن حالة الاستعجال وعدم القدرة على التخطيط واستشراف المستقبل وعدم الثقة في آلية العمل والحرص على تقديم كل ما تباركه الدول الأجنبية حتى من خلال موظفيها الصغار على أي رأي علمي أو مصلحة للشعب.
- (10) سنة 2021:
إن قرار تخفيض قيمة الدينار المشار إليه في الفقرة السابقة يبدأ من بداية هذا العام 2021 ونعلم مسبقاً أن سعر الصرف هو سعر الأسعار فأي تغيير فيه يؤدي إلى آثار اقتصادية ملموسة في مختلف الاتجاهات. لذلك يمكن في جانب الموازنة ملاحظة أثر هذا القرار جلياً على الإيرادات والنفقات في السنتين 2021، 2022 كما في الجدول حيث نلاحظ ارتفاع الإيرادات إلى 122 م.د.ل. والنفقات إلى 102 م.د.ل. محققة بذلك فائضاً قدره 20 م.د.ل. وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع حجم الإيرادات في السنتين المذكورتين الذي يظهر عالياً ليس ارتفاعاً حقيقياً بل ناجماً عن قرار تغيير سعر الصرف حيث أن حصيلة النقد الأجنبي في عام 2021 قد ضربت في 3.3 تقريباً (=0.5175÷0.1555).
- (11) سنة 2022:
تعد سنة 2022 استمراراً للسنة التي سبقتها من حيث تأثرها بتغيير سعر الصرف. بلغت إيراداته 171 م.د.ل. وهو حجم كبير ويرجع ذلك لانتظام تصدير النفط رغم انخفاض الكميات المصدرة مقارنة بالسنة السابقة (كما أكد ذلك تقرير ديوان المحاسبة) وقد عوض ذلك ارتفاع الأسعار العالمية للنفط. غير أن الملفت للنظر هنا هو هذا الحجم الكبير من النفقات الذي فاق عام 2021 ولم يبق للفائض سوى 6 م.د.ل. وقد يكون ذلك جزئياً بسبب تخصيص مبلغ 34 م.د.ل. للمؤسسة الوطنية للنفط لزيادة القدرة الإنتاجية للقطاع لكن يبدو لي أن الامر فاق كل تصور. وهنا يجب أن نشير إلى أنه لا ينبغي أن نضع صرف كل الإيرادات هدفاً من أهداف الموازنة على الإطلاق بل الصحيح هو أن نضع أهدافاً كمية ونوعية ذات أولويات محددة ثم يكون الإنفاق بما تقضتيه الحاجة. إن مشكلة عدم وجود سقف للنفقات من خلال قانون واضح للميزانية يجعل الباب مفتوحاً ليس فقط لإنفاق كل الإيرادات بل أيضاً لإحداث عجوزات في الموازنة، وهذا السقف لن يتأتى إلا بوجود سلطة تشريعية فاعلة.
لمزيد من التوضيح في قراءة أرقام الجدول السابق يمكن تقسيمه إلى جدولين الأول يشمل فترة ما قبل تخفيض قيمة الدينار والآخر يشمل الفترة التالية للتخفيض وذلك كالآتي:
ويتضح من هذين الجدولين أن سنوات ما قبل تخفيض قيمة الدينار وهي 9 سنوات (2012-2020) قد تأثر معظمها بحالات الحرب وإغلاقات النفط مما أدى إلى ظهور العجز في 6 سنوات منها بينما لم يظهر الفائض إلا في 3 سنوات وأن المحصلة لم تكن عجزاً في الموازنة العامة للدولة بقيمة 34 م.د.ل. فقط بل كان 60 م.د.ل. بمتوسط سنوي 6.7 م.د.ل. وليس 3.1 م.د.ل. وأن المتوسط السنوي للإيرادات كان 35.9 م.د.ل. والمتوسط السنوي للإنفاق كان 42.6 م.د.ل. وفي المقابل نجد أن المتوسط السنوي للإيراد في السنتين 2021، 2022 قد بلغ 149.5 م.د.ل. والمتوسط السنوي للإنفاق 136.5 م.د.ل. ولم يكن هناك عجز بل فائضاً بمتوسط 13 م.د.ل. في السنة. وكما أشير سابقاً فإن هذا الارتفاع في الإيرادات لم يكن حقيقياً بل كان ناجماً عن تخفيض قيمة الدينار بدليل لو استبعدنا قرار تخفيض قيمة الدينار لظهرت الإيرادات أقل بكثير بل قد لا تتجاوز 45 م.د.ل. ومهما كان الأمر فإنه من المهم وجود سلطة تشريعية فاعلة تصدر قانوناً للموازنةة العامة للدولة ليس لأجل وضع سقف للنفقات فقط بل أيضاً لأجل تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية المرجوة بطريقة أبعد عن الارتجال وما ينجم عنه من سوء إدارة المال العام.
بناءً على ما تقدم، وبالعودة إلى حجم العجز الوارد في تقرير ديوان المحاسبة يمكن القول أنه سواء أكان حجم العجز 34 م.د.ل. أم أكبر فإنه يظل نزيفاً لا ينبغي الاستهانة به بالتجاهل أو التمادي فيه بل يجب العمل على إيقافه من خلال معالجته بإحدى الطريقتين الآتيتين أو كليهما معاً:
( أ ) عن طريق تخفيض النفقات العامة للدولة ولكن ليس على حساب الحاجات الأساسية بل على أساس اعتماد سلم للأولويات في الإنفاق وعلى أساس تحسين إدارة المال العام والتخلص من البطالة المقنعة في الداخل والخارج بل وإعادة النظر في الهياكل الإدارية والملاكات الوظيفية للوزارات والمصالح الحكومية والسفارات وكل الجهات التي ينفق عليها من الموازنة العامة للدولة. ويجب أيضاً أن تهتم الدولة بتقييم الحاجة إلى وجود بعض السفارات في بعض الدول التي لا يوجد تعامل معها يستوجب وجود سفارة، وكذلك يعاد النظر في وجود أجسام أو هيئات يصرف عليها من الموازنة العامة للدولة وتقييم مدى جدوى وجودها، أضف إلى ذلك اللجان التي تشكلها الدولة ويصرف عليها مبالغ طائلة للقيام بعمل هو عمل منوط بإدارة موجودة لا مبرر أن تقوم به لجنة، أو تشكيل لجان ليقوموا بعمل ما على حساب عملهم الأصلي وليس خارج الدوام. وهناك الكثير من ضوابط الإدارة يمكن تطبيقها إذا توفرت الإرادة الصادقة في ظل دولة مستقرة.
(ب) عن طريق تحفيز جباية الإيردات العامة للدولة بشقيها الإيرادات النفطية وغير النفطية. ففي جانب الإيرادات النفطية يجب منع العبث بإغلاق الحقول والموانئ النفطية، كما حصل في السنوات السابقة، وتطبيق القانون على المخالفين كون مثل هذا العبث يشكل جريمة كبيرة يعاقب عليها القانون عقوبات مشددة. كما يجب العمل على زيادة الإيرادات النفطية من خلال زيادة الإنتاج بتطوير الحقول النفطية، وقد خصص للمؤسسة الوطنية للنفط مبلغ 34 م.د.ل. للقيام بذلك. وبالنسبة للإيرادات غير النفطية فإنه من المهم تحفيزها بشتى الطرق القانونية مثل مكافحة التهرب من دفع الضريبة، ومثل التهرب أو التحايل على استحقاقات الدولة في حصتها من أرباح الشركات الاستثمارية المملوكة لها كلياً أو جزئياً، ويجب الحرص على قيام المراقبين الماليين بوجباتهم كاملة وفصل بل ومعاقية كل من يتواني في أداء وجباته، وتفعيل دور كل من الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة بشكل يحقق الرقابة الكاملة على المال العام.
وختاماً فإنه عندما تبدل السلطتان التشريعية والتنفيذية ما بوسعهما ووجد الجميع أن أهداف السنة المالية القادمة (مثلاً) تتطلب إنفاقاً أكبر من الإيرادات المتوقعة، يمكن للسلطة التشريعية بناءً على اقتراح الحكومة أن تعتمد قانون الموازنة على أساس التمويل بالعجز ويكون ذلك بالاقتراض من مؤسسات الدولة أو من المصرف المركزي ويحدد القانون المبلغ المسموح باقتراضه ولا يترك الامر مفتوحاً أبداً فالموازنة لها أهداف ولها سقف في النفقات لا يجوز للحكومة تجاوزه. في مثل هذه الحالة التي يعتمد فيها التمويل بالعجز يصبح الاقتراض الفعلي الذي لم يتجاوز السقف المسموح به ديناً عاماً للدولة، أما ما عدا ذلك فليس من الدين العام ويسأل عنه من قام بإحداثه. وغني عن البيان أن الدين العام يجب سداده عاجلاً أم آجلاً طبقاً للضوابط القانونية التي أوجدته، ويجب أن تخطط الحكومة لسداد الدين العام وأن تعرض ذلك على السلطة التشريعية لاعتماد ذلك. إن الدين العام ليس قراراً للمصرف المركزي ولا للحكومة ومن باب أولى ليس قراراً لأي جهة تتبع الحكومة في الداخل أو الخارج، وإنما هو قرار أصيل للسطة التشريعة. ولكن الاتفاق السياسي قد اعتمد استثناء في ذلك حيث منح تخويلاً للمجلس الرئاسي بالتشاور مع ديوان المحاسبة والمصرف المركزي لاعتماد ما يعرف بالترتيبات المالية وقد طبق ذلك في السنوات من 2017 إلى 2020 وقد يطبق لاحقاً إذا استمر الانقسام السياسي.